حرص الصحابة على حفظ السنة النبوية وصيانتها

حرص الصحابة على حفظ السنة النبوية وصيانتها

أدى أصحاب النبي –صلى الله عليه وسلم- أمانة العلم الذي سمعوه من نبيهم بحفظه وتعليمه لغيرهم

أدى أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم- أمانة العلم الذي سمعوه من نبيهم بحفظه وتعليمه لغيرهم وحرصهم الشديد على ألا يدخل في سنة النبي صلى الله عليه وسلم- ما ليس منها.

طلب الشهادة على رواية الحديث

ازداد حرص الصحابة رضوان الله عليهم- على سنة نبيهم -صلى الله عليه وسلم- بعد موته حتى كان الواحد منهم يطلب الشهادة على الحديث الذي يسمعه من أحد أصحابه إذا لم يكن سمعه من النبي -صلى الله عليه وسلم-.

روى البخاري في صحيحه أن أبا موسى الأشعري رضي الله عنه- استأذن على عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- فلم يؤذن له وكأنه كان مشغولا فرجع أبو موسى، ففرغ عمر فقال: ألم أسمع صوت عبد الله بن قيس ائذنوا له، قيل: قد رجع فدعاه فقال: كنا نؤمر بذلك، فقال: تأتيني على ذلك بالبينة فانطلق، إلى مجلس الأنصار فسألهم، فقالوا: لا يشهد على هذا إلا أصغرنا أبو سعيد الخدري، فذهب بأبي سعيد الخدري فقال عمر: أخفي هذا علي من أمر رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؟ ألهاني الصفق بالأسواق. يعني الخروج إلى تجارة.
]أخرجه البخاري كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة / باب الحجة على من قال إن أحكام النبي صلى الله عليه وسلم كانت ظاهرة 2 / 727 رقم 1956[

انتشار الصحابة في الأمصار لنشر السنة

من الأمور الهامة التي نستطيع أن ندرك منها مدى فهم الصحابة رضوان الله عليهم- لروح هذا الدين، أن النبي -صلى الله عليه وسلم- ذكر من فضائل المدينة الكثير والتي منها أن المدينة لا يقربها الدجال وأن الإيمان يرجع إلى المدينة كما ترجع الحية إلى جحرها.

فعن أنس بن مالك رضي الله عنه-: عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (المدينة يأتيها الدجال فيجد الملائكة يحرسونها، فلا يقربها الدجال، قال: ولا الطاعون إن شاء الله) ]أخرجه البخاري في كتاب التوحيد / باب في المشيئة والإرادة (وما تشاؤن إلا أن يشاء الله) 6 / 2609 رقم 6715[.

وعن أبي هريرة -رضي الله عنه-: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (إن الإيمان ليأرز ]يأرز: أي ينضم إليها ويجتمع بعضه إلى بعض فيها[ إلى المدينة كما تأرز الحية إلى جحرها) ]أخرجه البخاري في كتاب أبواب فضائل المدينة / باب الإيمان يأرز إلى المدينة 2 / 663 رقم 1777[.

لم تكن هذ الأحاديث وما يماثلها سببا لأن يتقاعس الصحابة رضوان الله عليهم- ويظلوا منغلقين على أنفسهم في المدينة، باعتبار أن المدينة أقل البلاد فتنا، أو غير ذلك من الأمور، لم يكن الصحابة بهذا الفهم، إنما فهموا أن هناك ضرورات وأولويات، فرأو أن من هذه الضروريات أن ينطلقوا في البلاد ليُفَقِّهوا الناس في دينهم وليُسْمِعوهم ما سمعوه من أحاديث نبيهم صلى الله عليه وسلم- وليبلغوا هذه الأمانة التي حملوها لغيرهم وما ذلك إلا امتثالٌ لأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم-حيث قال: (بلغوا عني ولو آية…) ]أخرجه البخاري في كتاب الأنبياء / باب ما ذكر عن بني إسرائيل 3 / 1275 رقم 3274[.

وعلى هذا الأساس تفرق الصحابة رضوان الله عليهم- في الأمصار الإسلامية؛ لينشروا في الناس ما تعلموه من النبي صلى الله عليه وسلم-.

يقول ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل: ثم تفرقت الصحابة -رضي الله تعالى عنهم- في النواحي والأمصار والثغور وفي فتوح البلدان والمغازي والإمارة والقضاء والأحكام، فبث كل واحد منهم في ناحية وبالبلد الذي هو به ما وعاه وحفظه عن رسول -صلى الله عليه وسلم-، وحكموا بحكم الله -عز وجل-،

وأمضوا الأمور على ما سن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأفتوا فيما سئلوا عنه مما حضرهم من جواب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، عن نظائرها من المسائل وجردوا أنفسهم مع تقدمة حسن النية والقربة إلى الله -تقدس اسمه-، لتعليم الناس الفرائض والأحكام والسنن والحلال والحرام حتى قبضهم الله -عز وجل-، رضوان الله ومغفرته ورحمته عليهم أجمعين”]الجرح والتعديل لابن أبي حاتم 1 / 8[.

المدارس العلمية للصحابة

صار في كل بلد من البلدان من أعلام الصحابة من اشتهر فيها وصارت له مدرسته وتلاميذه الذين يعرفون به. 

يقول الدكتور محمد أبو شهبة وهو يتكلم عن مدارس التفسير: فكانت هناك مدرسة الحجاز، وهي تشتمل على مدرستين: مدرسة مكة، وأستاذها الأكبر ابن عباس، ومدرسة المدينة، ومن أساتذتها: علي بن أبي طالب، وأبي بن كعب، ومدرسة العراق، وأستاذها الأكبر ابن مسعود، ومدرسة الشام، ومن أساتذتها من الصحابة، أبو الدرداء الأنصاري الخزرجي، وتميم الداري راهب عصره وعابد فلسطين، ومدرسة مصر، وأستاذها الأكبر عبد الله بن عمرو بن العاص، ومدرسة اليمن، وأستاذاها الأكبران: معاذ بن جبل، وأبو موسى الأشعري، إلى غير ذلك من المدارس التي انتشرت في العالم الإسلامي]الإسرائيليات والموضوعات في كتب التفسير 63[.

وبهذا يكون الصحابة رضوان الله عليهم قد قاموا بالواجب الذي أوجبه عليهم النبي صلى الله عليه وسلم- من حفظ سنته وتبليغها للناس من بعدهم كاملة غير منقوصة.

شارك

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *