تغير الفتوى مراعاة للحالة السياسية فأحيانا مراعاة الحالة السياسية تكون سببا في تغير الفتوى.
درء المفاسد مقدم على جلب المصالح
هذا معناه أنه إذا كانت هناك مصلحة من وراء فعل ما، وإذا فعلنا هذه المصلحة فإن هذه المصلحة ستجر إلى مفاسد عظيمة.
في هذه الحالة الأولى لنا ألا نفعل هذه المصلحة من أجل أن نسد باب المفاسد التي ستأتي إلينا من وراء تلك المصلحة.
بناء الكعبة على قواعد إبراهيم
ودليل ذلك قول عائشة -رضي الله عنها- قالت: سَأَلْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنِ الْجَدْرِ، أَمِنَ الْبَيْتِ هُوَ؟ قَالَ: (نَعَمْ).
قُلْتُ: فَمَا لَهُمْ لَمْ يُدْخِلُوهُ فِي الْبَيْتِ؟ قَالَ: (إِنَّ قَوْمَكِ قَصَّرَتْ بِهِمُ النَّفَقَةُ). قُلْتُ: فَمَا شَأْنُ بَابِهِ مُرْتَفِعًا؟ قَالَ:
(فعل ذلك قومك، ليدخلوا من شاؤوا ويمنعوا من شاؤوا، وَلَوْلَا أَنَّ قَوْمَكِ حَدِيثٌ عَهْدُهُمْ بِالْجَاهِلِيَّةِ، فَأَخَافُ أَنْ تُنْكِرَ قُلُوبُهُمْ، أَنْ أُدْخِلَ الْجَدْرَ فِي البيت، وأن ألصق بابه بالأرض)[البخاري]
هنا هؤلاء العرب في الجاهلية كانوا يقدسون البيت الحرام ويعرفون له مكانته وقدسيته فحدث في الجاهلية سيل عارم صدع بنيان البيت،
فعزموا على أن يهدموا هذا البيت الذي كان قد بناه نبي الله إبراهيم وولده إسماعيل فعزموا على هدمه وبنائه من جديد، واتفقوا على ألا يدخلوا في بنائه مالا من ربا؛ لتعظيمهم وتقديسهم لهذا البيت.
لكنهم لما بنوا البيت من جديد لم يبنوه على القواعد التي كان عليها، والتي بناه عليها إبراهيم وإسماعيل.
وهذا هو سبب سؤال عائشة -رضي الله عنها- عن الجدر هل هو من البيت؟ فأجاب رسول الله بأنه من البيت.
ثم قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: لولا أن قومك حديث عهد بجاهلية وأخاف أن تنكر قلوبهم لنقضت البيت وأدخلت الجدر فيه وجعلت بابه ملتصقا بالأرض.
يبقى هنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يرى أنه من المصلحة أن يعاد بناء البيت على القواعد الأصلية التي بناه عليها نبي الله إبراهيم وإسماعيل لكن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لم يفعل هذه المصلحة لأن هذه المصلحة ربما تجر إلى مفاسد أعظم منها.
لذلك قال رسول الله: لولا أن قومك حديث عهد بجاهلية وأخاف أن تنكر قلوبهم.
هذا إن دل على شيء فإنما يدل على أن الحالة السياسية أحيانا يكون لها دخلها في تغير الفتوى.