حبب إلينا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حضور مجالس الذكر؛ لأنها مجالس تحضرها الملائكة، وتغشها الرحمة، وتتنزل عيها السكينة؛ لذا ينبغي أن نتعرف على فضائل الأذكار.
الذاكرون يذكرهم الله ويباهي بهم ملائكته
يستحب للإنسان أن يكثر من ذكر الله حتى يذكره الله عنده، فما أعظم أن ينال الإنسان شرف ذكر الله له، قال الله تعالى: (فاذكروني أذكركم).
فمجالس الذكر التي يكثر الذاكرون فيها من ذكر الله يسبحونه ويحمدونه هي مجالس يباهي الله بها ملائكته، فعن معاوية -رضي الله عنه- قال: (خرجَ رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- على حلقة من أصحابه فقال: (ما أجْلَسَكُم؟)
قالوا: جلسنا نذكُر الله تعالى ونحمَدُه على ما هدانا للإسلام ومنّ به علينا، قال: آلله ما أجْلَسَكُمْ إلا ذاك؟ أما إني لَمْ أستحلِفكُمْ تُهمةً لكُمْ، ولَكنَّهُ أتاني جبْرِيلُ فأخْبَرَنِي أنَّ الله تعالى يُباهي بكُمُ المَلائكَةَ)[مسلم]
مجالس الذكر هي رياض الجنة
عن أنس بن مالك، أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (إذا مررتم برياض الجنة فارتعوا) قالوا: وما رياض الجنة؟ قال: (حلق الذكر)[الترمذي]
وفي هذا الحديث يأمرنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا مررنا بجماعةٍ يذكرون الله، أن نذكر الله مثلهم لأنهم يكونون في رياضِ الجنة، وأيُّ عمل يوصل العبد إلى الجنة فإنه يكن روضة من رياض الجنة.
مجالس الذكر هي مجالس الملائكة
فمجالس الذكر هي مجالس تغشاها رحمة الله وتحفها الملائكة وتتنزل عليها السكينة والطمأنينة.
فعن أبي سعيد الخدري وأبي هريرة -رضي الله عنهما-: أنهما شهدا على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قال:
(لا يَقْعُدُ قَوْمٌ يَذْكُرُون اللَّهَ تَعالى إلا حَفَّتْهُمُ المَلائِكَةُ، وَغَشِيَتْهُمُ الرَّحْمَةُ، وَنَزَلَتْ عَليهِمْ السَّكِينَةُ، وَذَكَرَهُمُ اللَّهُ تَعالى فِيمَنْ عِنْدَهُ)[مسلم]
الثناء على الله يملأ الميزان
من أثنى على الله بأوصاف كماله مستحضرا عظمته في قلبه امتلأ ميزانه من الحسنات، فإذا أضاف لذلك التنزيه لله عما لا يليق بذاته المقدسة بقوله : سبحان الله. ملأت حسناته ما بين السماء والأرض.
عن أبي مالك الأشعري قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (الطهور شطر الإيمان والحمد لله تملأ الميزان،
وسبحان الله والحمد لله تملآن – أو تملأ – ما بين السماوات والأرض، والصلاة نور، والصدقة برهان والصبر ضياء، والقرآن حجة لك أو عليك، كل الناس يغدو فبايع نفسه فمعتقها أو موبقها)[مسلم]
أفضل الذكر لا إله إلا الله
أفضل الأذكار التي يتقرب بها الإنسان إلى الله قول: لا إله إلا الله . فقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (أَفْضَلُ الذِّكْرِ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَفْضَلُ الدُّعَاءِ الْحَمْدُ لِلَّهِ)[ابن ماجه]
فهذا الذكر فزع إليه فرعون عندما أدركه الغرق، فقال الله عن فرعون: (حَتَّىٰٓ إِذَآ أَدۡرَكَهُ ٱلۡغَرَقُ قَالَ ءَامَنتُ أَنَّهُۥ لَآ إِلَٰهَ إِلَّا ٱلَّذِيٓ ءَامَنَتۡ بِهِۦ بَنُوٓاْ إِسۡرَٰٓءِيلَ وَأَنَا۠ مِنَ ٱلۡمُسۡلِمِينَ).
وهرع إليه يونس عندما ابتلعه الحوت، فقال الله: (وَذَا ٱلنُّونِ إِذ ذَّهَبَ مُغَٰضِبٗا فَظَنَّ أَن لَّن نَّقۡدِرَ عَلَيۡهِ فَنَادَىٰ فِي ٱلظُّلُمَٰتِ أَن لَّآ إِلَٰهَ إِلَّآ أَنتَ سُبۡحَٰنَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ ٱلظَّٰلِمِينَ).
لكن الله استجاب لوليه يونس ولم يستجب لعدوه؛ لأن فرعون كان يطلب نجاته من الغرق ولم يكن معترفا بعبوديته لله، وأما يونس فقد قالها مقرا بقدرة الله وعبوديته لربه.
حياة القلوب بذكر الله
عن أبي موسى -رضي الله عنه- قال: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (مثل الذي يذكر ربه والذي لا يذكر مثل الحي والميت)[البخاري]
ذكر الله يحيي القلوب ويوجب لأصحابها الجنة، وتلك هي الحياة الحقيقية التي يتلذذ صاحبها بها، أما من خلا قلبه عن ذكر الله مات قلبه وحرم الجنة وهذا هو حال الميت الذي لا يتلذذ بشيء لأنه فقط الإحساس والحياة.
كنز الجنة
عن أبي موسى الأشعري -رضي الله عنه- قال: (لما توجه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أشرف الناس على واد، فرفعوا أصواتهم بالتكبير: الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله.
فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (اربعوا على أنفسكم، إنكم لا تدعون أصم ولا غائبا، إنكم تدعون سميعا قريبا، وهو معكم).
وأنا خلف دابة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فسمعني وأنا أقول: لا حول ولا قوة إلا بالله، فقال لي: (يا عبد الله بن قيس)
قلت: لبيك يا رسول الله، قال: (ألا أدلك على كلمة من كنز من كنوز الجنة). قلت: بلى يا رسول الله، فداك أبي وأمي، قال: (لا حول ولا قوة إلا بالله)[البخاري]
والكنز هو الثواب النفيس المدخر لصاحبه في الجنة، والسبب في كون كلمة : لا حول ولا قوة إلا بالله.
كنز من كنوز الجنة لأنها كلمة استسلام وتفويض إلى الله تعالى وإذعان بانه لا صانع ولا آمر إلا الله وأن العبد قليل الحيلة لا يملك من أمر نفسه شيئا، فلا حركة ولا استطاعة له إلا بمشيئة الله، فلا قدرة له على دفع ضر ولا جلب خير لنفسه إلا بأمر الله وإرادته.
ذكر الله صدقة من الإنسان على نفسه
كل إنسان يصبح على كل مفصل من مفاصل جسده صدقة حتى يؤدي شكر تلك النعمة التي بها سهل الله حياته، فاستطاع القيام والجلوس والركوع والسجود، ويكفي عن الصدقة عن كل مفصل أن يذكر الله فله بكل ذكر صدقة، وله بكل طاعة صدقة.
عن أبي ذر -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (يصبح على كل سلامى [عظام الجسد ومفاصله] من أحدكم صدقة،
فكل تسبيحة صدقة، وكل تحميدة صدقة، وكل تهليلة صدقة، وكل تكبيرة صدقة، وأمر بالمعروف صدقة، ونهي عن المنكر صدقة، ويجزئ من ذلك ركعتان يركعهما من الضحى)[مسلم]