للسفر آداب ينبغي على المسافر أن يلتزم بها، فمن آداب هذا السفر ألا يسافر الإنسان وحده، وأن يلتمس الدعاء من أهل الخير.
كراهة الوحدة للمسافر
يستحب للمسافر ألا يسافر وحده لأنه لا يأنس بصاحب كالشيطان الذي لا يأنس بأحد ويطلب الوحيد ليغويه.
فالأفضل للمسافر أن يكون معه صحبة تهون عليه طول الطريق؛ لأن الشيطان أقرب من الواحد والاثنين لكنه أبعد من الثلاثة.
عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (الراكب شيطان، والراكبان شيطانان، والثلاثة ركب)[أبو داود]
قال الطبري: ونهيه عن سفر الرجل حده نهي أدب وإرشاد لما يخشى على فاعل ذلك من الوحشة بالوحدة لا نهي تحريم.
فإذا كان الرجل جبانا كثير الأفكار الرديئة ولا يؤمن عليه وحده أن يتلوث عقله فالأولى له ألا يسافر وحده.
لكن إذا كان شجاعا لا يخشى عليه جاز له السفر فقد أذن رسول الله لمالك بن الحويرث وصاحب له بالسفر وحدهم فقال مالك: انصرفت من عند الرسول -صلى الله عليه وسلم- فقال لنا -أنا وصاحب لي- : (أذنا وأقيما وليؤمكما أكبركما).
طلب المسافر الدعاء من أهل الخير
عن أنس -رضي الله عنه- قال: جاء رجل إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: يا رسول الله، إني أريد سفرا فزودني.
قال: (زودك الله التقوى) قال: زدني، قال: (وغفر ذنبك) قال: زدني بأبي أنت وأمي، قال: (ويسر لك الخير حيثما كنت)[الترمذي]
يستحب للإنسان إذا أراد سفرا أن يطلب من أهل الخير والتقوى الدعاء له في سفره، فقد ذهب الرجل للنبي -صلى الله عليه وسلم- يطلب منه أن يزوده لسفره
فبين له أن الزاد الذي يتقوى به على سفره هو أن يتقي الله بتجنب معصيته، فلما طلب الرجل الزيادة قال له: وغفر ذنبك لأن التقوى الكاملة هي التي يترتب عليها غفران الذنوب، فلما طلب الزيادة دعا له بأن ييسر الله له كل خير من أمور الدنيا والآخرة.
وصية المسافر بتقوى الله
عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رجلا قال: يا رسول الله، إني أريد أن أسافر فأوصني، قال: (عليك بتقوى الله، والتكبير على كل شرف) فلما أن ولى الرجل، قال: (اللهم اطو له الأرض، وهون عليه السفر)[الترمذي]
لما طلب الرجل من النبي -صلى الله عليه وسلم- أن يوصيه أمره بتقوى الله وهي وصية جامعة شاملة بأن يفعل ما أمره الله به وينتهي عما نهاه الله عنه.
وتلك هي وصية الله لنا وللسابقين علينا من الأمم السابقة فقال الله: (وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقَوُا اللَّهَ).
ثم أمره رسول الله بالتكبير على كل مكان مرتفع بأن يقول: الله أكبر.
فلما ولى الرجل دعا له رسول الله بظهر الغيب بأن يطو الله له طول السفر، ويهون عليه مشقة السفر.
دعاء المسلم لأخيه بظهر الغيب
دعوة الإنسان لأخيه بظهر الغيب من الدعوات المستجابة والتي يؤمن عليها الملائكة، فعن صفوان بن عبد الله بن صفوان قال:
(قدمت الشام فأتيت أبا الدرداء في منزله فلم أجده، ووجدت أم الدرداء فقالت: أتريد الحج العام؟ فقلت: نعم قالت: فادع الله لنا بخير فإن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يقول:
(دعوة المرء المسلم لأخيه بظهر الغيب مستجابة، عند رأسه ملك موكل كلما دعا لأخيه بخير قال الملك الموكل به: آمين ولك بمثل)
قال: فخرجت إلى السوق فلقيت أبا الدرداء فقال لي مثل ذلك.[مسلم]
دعاء الخوف من عدو
عن عبد الله بن قيس أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان إذا خاف قوما قال: (اللهم إنا نجعلك في نحورهم، ونعوذ بك من شرورهم)[أبو داود]
ومعنى الدعاء: اللهم إنا نجعلك في الجهة التي يأتينا العدو منها فأنت الذي تدفعهم في صدورهم وتنجينا من شرورهم.
ما يقوله المسافر إذا رجع من سفره
عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان إذا أقفل من الغزو أو الحج أوالعمرة يبدأ فيكبر ثلاث مرار، ثم يقول:
(لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيء قدير. آيبون تائبون، عابدون ساجدون، لربنا حامدون، صدق الله وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده)[البخاري]
ما يستحب للمسافر عند الخروج من بيته
يستحب للمسافر إذا أراد أن يخرج من بيته أن يصلي ركعتين قال النووي في الأذكار: قال بعض أصحابنا: يُستحبّ أن يقرأ في الأولى منهما بعد الفاتحة (قل يا أيها الكافرون) وفي الثانية: (قُلْ هُوَ اللَّهُ أحَدٌ).
وقال بعضهم: يَقرأ في الأولى بعد الفاتحة (قُلْ أعُوذُ بِرَبّ الفَلَقِ) وفي الثانية (قُلْ أعُوذُ بِرَبّ النَّاسِ).
فإذَا سلَّم قَرأ آيةَ الكُرْسِيِّ، … ويُستحبّ أن يقرأ سورة (لإِيلافِ قُرَيْشٍ) …
قال أبو طاهر بن جحشويه: أردتُ سفراً وكنتُ خائفاً منه، فدخلتُ إلى القزويني أسألُه الدعاءَ، فقال لي ابتداءً من قِبَل نفسه:
مَن أرادَ سفراً ففزِعَ من عدوّ أو وحش فليقرأ (لإِيلافِ قُرَيْشٍ) فإنها أمانٌ من كلّ سوء، فقرأتُها فلم يعرض لي عارض حتى الآن. ويستحبّ إذا فرغ من هذه القراءة أن يدعو بإِخلاص ورقّة.
دعاء قضاء الحاجة
عن عثمان بن حنيف، أن رجلا ضرير البصر أتى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: ادع الله أن يعافيني قال:
(إن شئت دعوت، وإن شئت صبرت فهو خير لك). قال: فادعه، قال: فأمره أن يتوضأ فيحسن وضوءه ويدعو بهذا الدعاء:
(اللهم إني أسألك وأتوجه إليك بنبيك محمد نبي الرحمة، إني توجهت بك إلى ربي في حاجتي هذه لتقضى لي، اللهم فشفعه في)[الترمذي]
فهذا الرجل الضرير جاء للنبي -صلى الله عليه وسلم- وطلب منه أن يدعو الله له بأن يعافيه مما فيه، فخيره رسول الله بين أن يدعو له أو أن يصبر فيكون الصبر خيرا له.
لكن الرجل اختار أن يدعو رسول الله له، فأمره رسول الله أن يتوضأ فيحسن الوضوء ثم يدعو هو لنفسه كأنه لم يرض منه هذا الاختيار.
ولا حرج عليه في ذلك؛ لأنه خير بين أمرين فاختار أحدهما، لكن رسول الله علمه كيف يدعو بأن يجعل رسول الله شفيعا ووسيلة في استجابة هذا الدعاء،
بأن يسأل الله أولا أن يأذن لنبيه بأن يجعل نبيه شفيعا له، ثم يستأذن النبي -صلى اله عليه وسلم- أن يكون شفيعا له.