من المسائل التي تكلم فيها الفقهاء مسألة نقل الزكاة من بلدة لأخرى، ومسألة إخراج الزكاة بإسقاط الدين عن المدين هل تجوز في الزكاة أم لا.
نقل الزكاة من بلدة لأخرى
اختلف الفقهاء في مسألة نقل الزكاة من بلدة لأخرى، فذهب فريق منهم إلى أن نقل الزكاة عن بلد الوجوب لا يجوز مع وجود مستحقين لها في نفس البلدة، بل أهل كل بلدة هم أولى بزكاة أغنيائها.
واستدلوا على ذلك بحديث ابن عباس أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال لمعاذ بن جبل حين بعثه إلى اليمن:
(إِنَّكَ سَتَأْتِي قَوْمًا أَهْلَ كِتَابٍ فَإِذَا جِئْتَهُمْ، فَادْعُهُمْ إِلَى أَنْ يَشْهَدُوا أَنْ لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوا لَكَ بِذَلِكَ، فَأَخْبِرْهُمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ فَرَضَ عَلَيْهِمْ خَمْسَ صَلَوَاتٍ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوا لَكَ بِذَلِكَ،
فَأَخْبِرْهُمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ فَرَضَ عَلَيْهِمْ صَدَقَةً تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ فَتُرَدُّ عَلَى فُقَرَائِهِمْ، فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوا لَكَ بِذَلِكَ، فَإِيَّاكَ وَكَرَائِمَ أَمْوَالِهِمْ وَاتَّقِ دَعْوَةَ المَظْلُومِ، فَإِنَّهُ لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ حِجَابٌ)البخاري
وقالوا بأن المقصود بأغنيائهم وفقرائهم هم أهل البلدة التي فيها الأغنياء والفقراء.
أما الفريق الثاني فيرى جواز نقل الزكاة من بلدة لأخرى مطلقا وقالوا: إن المقصود بأغنيائهم وفقرائهم إنما يعني أغنياء وفقراء المسلمين فالضمير يعود على المسلمين جميعا في أي بلدة كانوا.
قال ابن حجر في فتح الباري شرح صحيح البخاري: “اختلف العلماء في هذه المسألة فأجاز النقل الليث وأبو حنيفة وأصحابهما ونقله ابن المنذر عن الشافعي واختاره، والأصح عند الشافعية والمالكية والجمهور ترك النقل”.
وأرجح الآراء في هذا أن الزكاة لا تنقل من بلدة إلى غيرها إلا عند وجود الضرورة الداعية إلى ذلك، كأن يكون له أقارب فقراء أو يرى في بلدة أخرى من هم أشد حاجة من فقراء بلدته.
قال ابن تيمية في الفتاوى الكبرى: “ويجوز نقل الزكاة وما في حكمها لمصلحة شرعية”
هل تجب الزكاة على من عليه دين؟
إذا كان صاحب المال عليه دين يستغرق ماله أو ينقص المال عن النصاب الذي يجب فيه الزكاة فلا يجب عليه الزكاة؛
لأنه صار بسبب هذا الدين فقيرا لا يملك النصاب الذي تجب فيه الزكاة، فالدين الذي ينقص النصاب يمنع من وجوب الزكاة؛ لأن صاحب المال صار في حكم الفقير؛
ولأن علة الزكاة الغنى، وصاحب المال إذا كان غريما انتفى عنه الغنى، والمدين ليس بمالك على الحقيقة، وقد وضع الإمام البخاري في صحيحه بابا بعنوان: باب لا صدقة إلا عن ظهر غنًى.
هل تخرج الزكاة بإسقاط الدين عن المدين؟
اختلف الفقهاء في مسألة ما إذا كان للإنسان دين على شخص فقير يستحق الزكاة فهل إذا أسقطه عنه يحسبه من الزكاة أم لا؟
الفريق الأول: لا يجوز أن يعتبر إسقاط هذا الدين من الزكاة؛ لأن هذا يعتبر بمثابة إخراج الردئ من المال، وقد نهى الله عن إخراج الردئ من المال فقال:
(يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيد)[البقرة: 267].
ولأنه مال لم يقبضه الفقير في يده وإنما هو في حكم المعدوم؛ لأنه ليس معه والزكاة فيها أخذ وإعطاء؛ لأن الله قال: (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً)[التوبة: 103]؛
ولأن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال لمعاذ بن جبل: (…فَأَعْلِمْهُمْ أَنَّ اللَّهَ افْتَرَضَ عَلَيْهِمْ صَدَقَةً فِي أَمْوَالِهِمْ تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ وَتُرَدُّ عَلَى فُقَرَائِهِمْ)االبخاري
والفريق الثاني: أجاز إسقاط الدين عن المدين واعتبار هذا من الزكاة إذا نوى صاحبه بالإسقاط الزكاة، وعللوا رأيهم بأنه يجوز للغني أن يعطي للفقير الزكاة ثم يسدد الفقير الدين من هذا المال الذي أخذه،
فلا فرق إذا بين أن يفعل هذا أو يسقط الدين عنه رأسا، لكن اشترطوا أن يكون هذا المدين ممن يستحقون الزكاة.
والراجح من الآراء هو الأول وذلك لئلا يتخذ ذريعة للتحايل على الهروب من أداء الزكاة، فربما يكون الدين الذي له في حكم المعدوم أو لا يستطيع أخذه من صاحبه فيدعي أنه أسقطه وجعله من الزكاة، فلا يخرج الزكاة من ماله في مقابل هذا الدين الذي كان قد يئس من الحصول عليه.
قال الإمام النووي في المجموع: “إذا كان لرجل على معسر دين، فأراد أن يجعله من زكاته وقال له: جعلته عن زكاتي فوجهان حكاهما صاحب البيان: أصحهما لا يجزئه، وبه قطع الصيمري، وهو مذهب أبي حنيفة وأحمد؛ لأن الزكاة في ذمته فلا يبرأ إلا بإقباضها، والثاني: تجزئه وهو مذهب الحسن البصري وعطاء”.