دراسة عصر الإمام الحاكم صاحب كتاب المستدرك على الصحيحين

دراسة عصر الإمام الحاكم صاحب كتاب المستدرك على الصحيحين

عصر الإمام الحاكم صاحب كتاب المستدرك على الصحيحين كان يشوبه كثير من الاضطرابات والفتن بسبب الدول الشيعية الكثيرة.

عصر الإمام الحاكم صاحب كتاب المستدرك على الصحيحين كان يشوبه كثير من الاضطرابات والفتن بسبب الدول الشيعية الكثيرة.

نشأة الإمام الحاكم

البيت الذي نشأ فيه الإمام الحاكم كان له أكبر الأثر في تكوينه، فقد كان بيته بيت علم وورع، وكان بيت التأذين في الإسلام، وكان والده -رحمه الله- ممن لهم عناية بهذا الشأن، قال الذهبي: وحدث عن أبيه وكان أبوه قد رأى مسلما صاحب الصحيح. وقال: وطلب هذا الشأن في صغره بعناية والده وخاله.

الحالة الاجتماعية في عصر الحاكم

البيئة العامة التي نشأ فيها الإمام الحاكم كان لها أكبر الأثر في تكوينه، فقد ولد الحاكم بنيسابور وتوفي بها، وهي من بلاد خراسان، وهذه البلاد قد اشتهرت بتخريج الكبار من العلماء من أئمة هذا الشأن وغيره من العلوم.

تكلم ياقوت الحموي في معجم البلدان عن هذه البلاد فقال: فأما العلم فهم فرسانه وساداته وأعيانه، ومن أين لغيرهم مثل: محمد بن إسماعيل البخاري، ومثل مسلم بن الحجاج القُشَيْرِي، وأبي عيسى الترمذي، وإسحاق بن
راهويه، وأحمد بن حنبل، وأبي حامد الغزالي، والجويني إمام الحرمين، والحاكم أبي عبد الله النيسابوري وغيرهم من أهل الحديث والفقه،

ومثل: الأزهري، والجوهري، وعبد الله بن المبارك، وكان يعد من أجواد الزهاد والأدباء، والفارابي صاحب ديوان الأدب، والهروي، وعبد القاهر الجرجاني، وأبي القاسم الزمخشري، هؤلاء من أهل الأدب والنظم
والنثر الذين يفوت حصرهم ويعجز البليغ عن عدهم”
] معجم البلدان لياقوت الحموي 2 / 353 [.

وقال الحاكم في المدخل إلى كتاب الإكليل: وأهل الحجاز، والعراق، والشام، يشهدون لأهل خراسان بالتقدم في معرفة الصحيح؛ لسبق الإمامين البخاري، وأبي الحسين وتفردهما بهذا النوع من العلم، جزاهما الله عن الإسلام خيرا] المدخل إلى كتاب الإكليل للحاكم 1 / 32 [.

وقال الخليلي في الإرشاد: قال هلال بن العلاء الرقي:  شجرة العلم أصلها بالحجاز،  ونقل ورقها إلى العراق،  وثمرها إلى خراسان] الإرشاد في معرفة علماء الحديث لأبي يَعْلَى الخليلي 2 / 802 [.

أما البلدة التي ولد الإمام الحاكم بها وهي نيسابور فقد خرجت من أكابر العلماء في علم الحديث جملة منهم:محمد بن يحيى الذُهْلِي، وابنه يحيى بن محمد بن يحيى الذُهْلِي، ومسلم بن الحجاج القُشَيْرِي صاحب
الصحيح، وأبو بكر محمد بن إسحاق بن خزيمة النيسابوري، وأبو عبد الله محمد بن يعقوب الأخرم، وأبو العباس محمد بن يعقوب الأصم، وأبو بكر أحمد بن إسحاق الصِبْغِي، وغيرهم
] الإرشاد في معرفة علماء الحديث لأبي يَعْلَى الخليلي 2 / 802 [.

الحالة الدينية في عصر الحاكم

لقد كانت الحياة الدينية في الفترة التي نشأ فيها إمامنا الحاكم رحمه الله- من 321 إلى 405 يشوبها كثير من الاضطرابات، والفتن، بسبب الدول الشيعية الكثيرة المختلفة الأغراض والأهداف، وكثير من هذه
الدول كانت تتمسح بآل البيت من أجل أن تصل إلى أغراضها وأهدافها، من هذه الدول:

– الدولة البويهية: فقد ظهرت قوة هذه الدولة من 322 إلى ما بعد 440، وكانت هذه دولة شيعية.

– والدولة السامانية: وهي من أقرب فرق الشيعة إلى الإسماعيلية.

– والدولة العبيدية: وهي من الدول الشيعية أيضا.

– والدولة الحمدانية: وهذه الدولة حكمت الموصل والشام، وهي من الدول الشيعية] التاريخ الإسلامي لمحمود شاكر 6 / 149 [.

– ودولة القرامطة: التي نشات من 278 إلى 470 وحكموا البحرين وخضعت لهم الإمارات في اليمامة وأجزاء من جزيرة العرب بل احتلوا دمشق، وكانت لهذه الجماعة عقائد تختلف عن عقائد أهل الإسلام: فقد كانت
لهم عقائد شاذة خارجة عن عقيدة أهل الإسلام، سواءا في الألوهية والتوحيد، أو في الوحي والنبوة والرسالة
] بتصرف من كتاب الحركات الباطنية في العالم الإسلامي عقائدها وحكم الإسلام فيها 135 [.

أما الدول السنية التي كانت موجودة في هذا الوقت فلم يكن لها قوة تستطيع أن تواجه بها هذا المد الشيعي، وقد كانت متمثلة في بلاد الأندلس وإمارات صغيرة وضعيفة في بعض الأجزاء من جزيرة العرب، والإمارة الغزنوية عندما قامت في شرق الدولة الإسلامية.

الحالة السياسية في عصر الحاكم

مما سبق يتبين أن الإمام الحاكم -رحمه الله- ولد سنة إحدى وعشرين وثلاثمائة، وتوفي سنة خمس وأربعمائة، في هذه الفترة نجد أن المد الشيعي قد انتشر حتى لم يبق من الدول السنية إلا القليل، وكثر في هذه الفترة الحروب بين هذه الدول، حتى كانت كل دولة تريد أن تكون هي المسيطرة على مقدرات الأمور،

ولم يكن للدول السنية من القدرة ما تستطيع أن تواجه به هذا المد الشيعي، بل نجد أن الخلافة العباسية قد ضعف أمرها حتى صارت بلا حكم إلا في بلاد بغداد، وكانت في الحقيقة كالجسد بلا روح، فلم تعد تملك أيضا الحكم في بلاد بغداد، واستولى الشيعة عليها وصار الحكم لهم،

والدول الشيعية كانت دولا كثيرة مختلفة الأهداف، كل واحدة تهدف إلى أمر يختلف عن الأخرى، ولو أن هذه الدول اتحدت أهدافها لما بقي من الدول السنية شيء.

يقول محمود شاكر في كتاب التاريخ الإسلامي في الفترة ما بين 334 – 447: “سيطر الشيعة على مناطق واسعة بل إن دولا كثيرة قامت باسمهم سواء أكانت شيعية حقيقة أم ادعاءا، فالدولة العبيدية دانت لها المغرب ثم مصر وأجزاء من الشام في أوقات متفاوتة،

والدولة الحمدانية في الموصل والشام، والقرامطة الذين حكموا البحرين وخضعت لهم الإمارات في اليمامة وأجزاء من جزيرة العرب بل احتلوا دمشق،

هذا بالإضافة إلى بني بويه الذين يحكمون العراق وفارس والري والجبل والكرج والأهواز، ثم هناك الدولة السامانية التي هي أقرب إلى الإسماعيلية، هؤلاء جميعا يدعون الشيعة غير أن منهم الغلاة كالحمدانيين،

ومنهم أقل غلوا مثل بني بويه، ومنهم أصحاب الأصول اليهودية كالعبيديين، ومن ينتمي إلى المجوس كالقرامطة، 

ونتيجة هذه الأصول والأهداف المتباينة والمختلفة والتي تخفي وراءها أهدافا سياسية ودينية تقصد منها هدم الإسلام من الداخل، وتسلم السلطة لتتمكن من التهديم بصورة أوسع أو بشكل مخطط له، فلو كانت
صادقة في دعواها وأهدافها واحدة لتمكنت من تحقيق مقصدها، إذا لم يبق من أصحاب السلطة في الدولة الإسلامية الواسعة سوى مناطق ضيقة قليلة هم من أهل السنة، وهذه المناطق هي الأندلس، وإمارات صغيرة وضعيفة في بعض الأجزاء من جزيرة العرب،

والإمارة الغزنوية عندما قامت في شرق الدولة الإسلامية، ونتيجة التباين في المقاصد فقد وقعت الحروب بين هذه الجماعات فقد حاربت القرامطة العبيديين، وقاتل العبيديون الحمدانيين، وكان الحمدانيون وبنو
بويه في صراع، ولم يكن السامانيون في منأى عن هذا الصراع،

وقد حفظ هذا الإسلام ولله الحمد- بسبب هذا الخلاف بين هذه الفرق الضالة والمدعية كذبا وزورا الانتساب إلى آل البيت، أو العمل لهم، أو السير على سنتهم، والله سبحانه وتعالى هو الذي تعهد بحفظ هذا
الدين وكتابه، (إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون)

فحفظه الله بإيقاع الخلاف بينهم، وتناحر بعضهم مع بعض، كما تمتاز هذه المرحلة بكثرة الفتن التي أثارها الشيعة وهذا ما كان يؤدي بدوره إلى القتال المستمر بين السنة والشيعة، وهذا بسبب تشيع البويهيين وعدد من حكام الإمارات الثانية”] التاريخ الإسلامي لمحمود شاكر 6 / 1149 [.

من خلال هذه النظرة يتبين لنا حال العالم الإسلامي في هذه الفترة التي نشأ فيها إمامنا الحاكم -رحمه الله تعالى-، ويتبين لنا مدى الضعف الذي وقعت فيه الدول السنية، ومدى القوة التي بلغتها الدول الشيعية، وصارت لها السيطرة على كثير من الدول السنية.

للاطلاع على المزيد:

شارك

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *