أم المؤمنين صفية بنت حييّ بن أخطب كان أبوها من زعماء اليهود من بني النضير الذين أجلاهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن المدينة وذهب عامتهم إلى خيبر .
صفية تقع في سبي غزوة خيبر
فلما فتح الله على نبيه –صلى الله عليه وسلم- خيبر وقعت صفية بنت حيي في سهم دحية الكلبي، وحينها تكلم بعض الناس في ذلك، فخشي رسول الله –صلى الله عليه وسلم- أن يكون هذا ذريعة للفساد، أو أن تتعالى صفية على دحية؛ لأنها بنت سيد، فأمر النبي -صلى الله عليه وسلم- دحية بأن يختار غيرها من السبي، ثم اختصها رسول الله –صلى الله عليه وسلم- لنفسه؛ تكريما لها وأعتقها رسول الله ورد لها اعتبارها وسيادتها، ثم بنى بها رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.
عدة المرأة
هنا سؤال ينبغي الجواب عليه رفعا للبس والغموض: هل بنى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بصفية قبل أن تنقضي عدتها؟
وللجواب على ذلك ينبغي أن نعلم أن المرأة المراد التزوج بها لها أحوال، منها:
عدة المرأة المطلقة
وهذه عدتها ثلاثة قروء أي ثلاث حيضات إن كانت من ذوات الحيض، قال الله تعالى: (وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ).
أما إذا كانت المرأة لا تحيض بسبب كبر سنها لأنها وصلت لسن اليأس، أو أنها أصلا لا تحيض منذ صغرها فهذه عدتها ثلاثة أشهر، قال الله: (وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ).
عدة المرأة الحامل
وهذه عدتها تكون بوضع حملها، قال الله تعالى: (وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ).
عدة المرأة المتوفى عنها زوجها
هذه تكون عدتها أربعة أشهر وعشرا، قال الله: (وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ).
عدة المرأة المسبية في الحرب
وهي التي أُخذت أسيرة فهذه إن كانت حاملا فعدتها تكون بوضع حملها، وإذا لم تكن حاملا فعدتها حيضة واحدة لاستبراء الرحم. عن أبي سعيد الخدري –رضي الله عنها- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال في سبايا أوطاس: (لا توطأ حامل حتى تضع، ولا غير ذات حمل حتى تحيض حيضة)]رواه أبو داود في سننه[.
وعن رويفع بن ثابت الأنصاري، قال: أما إني لا أقول لكم إلا ما سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول يوم حنين: (لا يحل لامرئ يؤمن بالله واليوم الآخر أن يسقي ماءه زرع غيره -يعني: إتيان الحبالى-، ولا يحل لامرئ يؤمن بالله واليوم الآخر أن يقع على امرأة من السبي حتى يستبرئها، ولا يحل لامرئ يؤمن بالله واليوم الآخر أن يبيع مغنما حتى يقسم)]رواه أبو داود في سننه[.
زواج النبي صلى الله عليه وسلم من صفية
هذا الذي أمرنا به رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بالنسبة للمرأة المسبية في الحرب من أنها لا توطأ إذا كانت حاملا حتى تضع حملها، وإذا لم تكن حاملا فعدتها أن تحيض حيضة يتم بها استبراء الرحم- هو عين ما التزم به صلى الله عليه وسلم مع أم المؤمنين صفية -رضي الله عنها- فإن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لم يبن بها إلا بعد أن حلت له باستبرائها بحيضة.
ودليل ذلك ما رواه البخاري في صحيحه عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال 🙁 قدمنا خيبر فلما فتح الله عليه الحصن ذكر له جمال صفية بنت حيي بن أخطب وقد قتل زوجها وكانت عروسا فاصطفاها النبي -صلى الله عليه وسلم- لنفسه فخرج بها حتى بلغنا سد الصهباء ، حَلَّتْ فبنى بها رسول الله - صلى الله عليه وسلم- ثم صنع حيسا في نطع صغير ثم قال لي : آذن من حولك فكانت تلك وليمته على صفية ثم خرجنا إلى المدينة فرأيت النبي - صلى الله عليه وسلم- يحوي لها وراءه بعباءة ثم يجلس عند بعيره فيضع ركبته وتضع صفية رجلها على ركبته حتى تركب).
وقول أنس: (حلت) أي طهرت، قال ابن حجر: (حَلَّتْ) أي طهرت من الحيض.
وروى الإمام مسلم في صحيحه عن أنس قَالَ عن صفية: (ثُمَّ دَفَعَهَا –أي أعطى رسول الله صفية- إِلَى أُمِّ سُلَيْمٍ تُصَنِّعُهَا لَهُ وَتُهَيِّئُهَا -قَالَ: وَأَحْسِبُهُ قَالَ- وَتَعْتَدُّ فِي بَيْتِهَا، وَهِيَ صَفِيَّةُ بِنْتُ حُيَيٍّ)
قال الإمام النووي في شرح الحديث أما قوله: ( تعتد ) فمعناه تستبرئ فإن كانت مسبية يجب استبراؤها وجعلها في مدة الاستبراء في بيت أم سليم، فلما انقضى الاستبراء جهزتها أم سليم وهيأتها أي زينتها وجملتها على عادة العروس بما ليس بمنهي عنه من وشم ).
من كل ما سبق يتبين لنا ان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لم يتزوج صفية إلا بعد أن انقضت عدتها باستبراء الرحم بحيضة واحدة وهذه هي عدة سبابا الحرب، ومعلوم أن طريق الذهاب للحرب والرجوع منها كان يستغرق زمنا طويلا يكفي أن تحيض المرأة وتطهر من حيضها، ولعل هذا هو الذي أوقع البعض في هذا الوهم أنهم علموا أن رسول الله تزوجها في طريق رجوعه من غزوة خيبر، ولم يعرفوا أن هذا الرجوع يستغرق زمنا طويلا، وجهلهم أن عدة المسبية من الحرب تكون بحيضة واحدة.
حكمة زواج النبي من أم المؤمنين صفية
أما حكمةزواج النبي -صلى الله عليه وسلم- بأم المؤمنين صفية دون غيره، حيث أمر دحية بردها وكانت قد خرجت في سهمه لعدم الرضا الذي ظهر من بعض الناس باستئثار دحية بمثلها.
قال السندي في حاشيته على سنن النسائي: “كأنه ظهر له من ذلك عدم رضا الناس باختصاص دحية بمثلها، فخاف الفتنة عليهم فكره ذلك “.
كذلك كان من باب درء المفاسد التي من الممكن أن تترتب على زواج دحية من صفية ، لأن بقائها مع دحية ربما أدى إلى مفسدة استعلائها عليه لأنها ابنة سيد، ودرءا لمفسدة الضغينة التي تكون في نفوس بقية الجيش بسبب استئثار دحية بمثلها دونهم.
قال الإمام النووي: “رأى في إبقائها لدحية مفسدة لتميزه بمثلها على باقي الجيش، ولما فيه من انتهاكها مع مرتبتها وكونها بنت سيدهم، ولما يخاف من استعلائها على دحية بسبب مرتبتها، وربما ترتب على ذلك شقاق أو غيره، فكان أخذه صلى الله عليه وسلم إياها لنفسه قاطعا لكل هذه المفاسد المتخوفة”.
وقال ابن حجر في (الفتح): “لما قيل للنبي -صلى الله عليه وسلم-: إنها بنت ملك من ملوكهم، ظهر له أنها ليست ممن توهب لدحية لكثرة من كان في الصحابة مثل دحية وفوقه، وقلة من كان في السبي مثل صفية في نفاستها، فلو خصه بها لأمكن تغير خاطر بعضهم، فكان من المصلحة العامة ارتجاعها منه واختصاص النبي -صلى الله عليه وسلم- بها، فإن في ذلك رضا الجميع”.
ومما سبق يتين لنا أن رسول الله –صلى الله عليه وسلم- إنما تزوج صفية بعدما انقضت عدتها بحيضة واحدة في طريق عودته من خيبر، وأن زواج النبي –صلى الله عليه وسلم- إنما كان من باب إنزال الناس منازلهم وإبقائها على مكانتها التي كانت عليها فهي ابنة سيد فكان من اللائق بها أن تتزوج بسيد يليق بها.