سنتتعرف على أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم التي كان يتمتع بها فإن جميل أخلاقه صلى الله عليه وسلم كانت من الأكبر الأدلة على صحة نبوته.
أخلاق النبي دليل على نبوته
إن أول من صاغ دليلا عقليا على نبوة النبي -صلى الله عليه وسلم- هي خديجة -رضي الله عنها- وكان دليلها على ذلك من خلال جميل أخلاق النبي -صلى الله عليه وسلم- التي عايشتها معه قبل نزول الوحي عليه.
فقد عاشرته قبل نزول الملك عليه في غار حراء خمسة عشر عاما، وهي مدة كفيلة بأن تعرف الزوجة فيها كل خصال زوجها جليلها ودقيقها.
فلما قال لها النبي -صلى الله عليه وسلم- لقد خشيت على نفسي ردت عليه وقالت: (كَلَّا وَاللَّهِ مَا يُخْزِيكَ اللَّهُ أَبَدًا، إِنَّكَ لَتَصِلُ الرَّحِمَ، وَتَحْمِلُ الْكَلَّ، وَتَكْسِبُ الْمَعْدُومَ، وَتَقْرِي الضَّيْفَ، وَتُعِينُ عَلَى نَوَائِبِ الْحَقِّ)
عناية الله بنبيه
لقد كانت عناية الله بنبيه -صلى الله عليه وسلم- منذ نشأته، فقد نشأ رسول الله يتيما، وبين الله أنه هو الذي آواه وحفظ خلقه ونشأه فيما يريد، وأعده لما يريد، فقال الله: (ألم يجدك يتيما فآوى).
فالله هو الذي حفظ نبيه من ضلالات الشرك الذي كان سائدا بين الناس في الجاهلية، وحفظ الله نبيه من كل ما يفسد الفطرة السلمية.
لقد كان رسول بين الناس كالزهرة في الصحراء، وكان عفيفا في بيئة تفتقر إلى العفاف.
لم يستطع أعداء النبي -صلى الله عليه وسلم- أن ينطقوا بكلمة واحدة عن ماضيه من شأنها أن تصرف الناس عنه وعن دعوته، ولو استطاعوا لفعلوا.
تدرج النبي في الكمال
لقد كان رسول الله يتدرج من كمال إلى كمال، حتى صار رسول الله قرآنا يمشي على الأرض، لقد كان النبي ترجمة عملية للقرآن.
وهذا هو ما عبرت عنه عائشة -رضي الله عنها- لما سئلت عن خلق النبي -صلى الله عليه وسلم- قالت: كان خلقه القرآن أما تقرأ القرآن قول الله عز وجل: (وإنك لعلى خلق عظيم).
قد امتزجت حياة النبي -صلى الله عليه وسلم- وتصرفاته وسلوكياته بالقرآن كما تمتزج رائحة الزهور بزهرتها.
تربية القرآن للنبي
كان من الأخلاق التي ربى القرآن رسول الله عليها أن قال الله له :(ولا تمنن تستكثر).
فهذا خطاب للنبي صلى الله عليه وسلم وهو خطاب للأمة في شخص نبيها، وهذا الخطاب بالرغم من قلة ألفاظه إلا أنه يحمل الكثير من المعاني التي يحتملها اللفظ منها:
1 – لا تمنن على أحد من الناس بعطية تعطيها له، فإن كبار النفوس من الناس لا يمتنون على أحد بصنيعهم الحسن معه، وإنما صغار النفوس هم الذين يمتنون على غيرهم كما فعل فرعون مع موسى حيث خاطب موسى فقال له ما ذكره القرآن: (أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينَا وَلِيدًا وَلَبِثْتَ فِينَا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ).
2 – لا ترى ما تعطيه للناس كثيرا، فليس من شيم كبار النفوس أن يستكثروا ما يخرج من بين أيديهم وإنما دائما يرون ما يعطوه للناس قليلا.
وهكذا كان رسول الله فكان يعطي عطاء من لا يخشى الفاقة.
3 – لا تعط عطاءا وأنت تريد أن تأخذ المزيد مقابل ما أعطيته لغيرك، فبعض الناس يبتزك ويعطيك ليس ابتغاء الأجر والثواب وإنما يفعل ذلك من اجل أن تعطيه أكثر مما أعطاك.
الأمر بالصبر
من الأخلاق التي ربى القرآن الكريم رسول الله عليها أن قال الله له: (وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ)
لقد بين الله لنبيه أنه يجب عليه أن يتسلح بسلاح الصبر لأن ما ينزله الله عليه إنما هو قول ثقيل، فقال الله: (إِنَّا سَنُلۡقِي عَلَيۡكَ قَوۡلٗا ثَقِيلًا)، وإن ما ستعرض له من التكذيب والسخرية والاستهزاء سيحتاج لكثير من الصبر حتى يؤدي رسالة ربه.
فاصبر على خصومتهم واهجرهم الهجر الجميل، قال الله: (وَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْرًا جَمِيلًا).
لقد ذكر الله لنبيه أن ما يترعض له من الإيذاء والسخرية من المشركين إنما تعرض له غيره من إخوانه من الأنبياء من باب التسلية له.
فقال الله لنبيه: (فَٱصۡبِرۡ كَمَا صَبَرَ أُوْلُواْ ٱلۡعَزۡمِ مِنَ ٱلرُّسُلِ وَلَا تَسۡتَعۡجِل لَّهُمۡۚ كَأَنَّهُمۡ يَوۡمَ يَرَوۡنَ مَا يُوعَدُونَ لَمۡ يَلۡبَثُوٓاْ إِلَّا سَاعَةٗ مِّن نَّهَارِۭۚ بَلَٰغٞۚ فَهَلۡ يُهۡلَكُ إِلَّا ٱلۡقَوۡمُ ٱلۡفَٰسِقُونَ)
وذكّر نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم بصبر نبيه داود فقال الله له: (اصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُودَ ذَا الْأَيْدِ إِنَّهُ أَوَّابٌ).
فنبي الله داود كان ملكا نبيا، ومع ذلك فقد كان قدوة في الصبر؛ لأنه جمع بين أمرين ثقيلين.
الأول: البلاغ لشعب كان كثير الشغب على الأنبياء حتى كانت معجزة نبيهم هي العصا وكأنها إشارة إلى أنهم قوم لا تصلحهم إلا العصا.
الثاني: قام نبي الله داود بأقامة العدل في قوم لا يعينون حاكما ولا يتبعون نبيا، فقال الله: (يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ)
النهي عن النظر لما في يد الغير
لقد نهى الله نبيه عن النظر لما في يد غيره من الناس نظر إعجاب مما أعطاهم الله من نعم هذه الدنيا حيث وهبهم الله الأزواج من شيء زوجين، فقال الله: (وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ
أَزْوَاجًا مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى)
وهذا تأديب من الله للأمة في شخص نبيها صلى الله عليه وسلم.