الإعداد والتخطيط من دروس الهجرة

الإعداد والتخطيط من دروس الهجرة

الإعداد والتخطيط من دروس الهجرة، فحدث الهجرة حدث تغير له وجه التاريخ، وصارت به للمسلمين قوة وصارت لهم به دولة.

الإعداد والتخطيط من دروس الهجرة، فحدث الهجرة حدث تغير له وجه التاريخ، وصارت به للمسلمين قوة وصارت لهم به دولة.

الإعداد للهجرة

هذا الحدث لم يكن قرارا عشوائيا غير مدروس، وإنما كان قرارا معدا له منذ سنوات، فإن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- رأى أن هذه الدعوة لن تنطلق من بين هؤلاء المشركين في مكة.
هؤلاء الذين أظلمت قلوبهم وصارت أقسى من الحجارة، هؤلاء الذين عاينوا مولد النبي -صلى الله عليه وسلم- وعرفوا حسبه ونسبه ولم يجدوا على رسول مغمزا في خلق ولا سلوك.

هؤلاء الذين شاهدوا المعجزات التي أيد الله -تعالى- بها نبيه -صلى الله عليه وسلم- واعترفوا في ذل وانكسار بأن هذا القرآن ليس من عند بشر، وأن هذا القرآن لا يستطيعه أحد من البشر، ومع ذلك أصروا على معاندتهم ومحاربتهم لدين الله تعالى.
وصدق فيهم قول الله تعالى: (فَإِنَّهُمۡ ‌لَا ‌يُكَذِّبُونَكَ وَلَٰكِنَّ ٱلظَّٰلِمِينَ بِـَٔايَٰتِ ٱللَّهِ يَجۡحَدُونَ).

منطلق الدعوة من المدينة

رأى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن منطلق هذه الدعوة لن يكون من مكة، مكة صاحبة التاريخ الطويل الذي يمتد الى آدم -عليه السلام- بسبب وجود هذا البيت الحرام فيها، لكن كل هذا لن يشفع لها.

إن الاسلام لا يحتاج إلى أرض لها تاريخ، وإنما يحتاج إلى قلوب تنفتح لاستقباله فكان هذا المنطلق لهذه الدعوة، وهذا النور الذي سيخرج إلى الأرض في شرقها وغربها وشمالها وجنوبها كان من نصيب هذه المدينة التي كانت تسمى بيثرب.
هذه المدينة لم يكن لها تاريخ كتاريخ مكة، بل كانت تعرف في الجاهلية بأرض الوباء والمرض، لكن هذه الأرض كان بها أهل فتحوا قلوبهم لاستقبال دين الله تعالى.

لذلك لما ذهب النبي -صلى الله عليه وسلم- إليها دعا الله -عز وجل- أن يذهب منها هذا الوباء والمرض، فاستجاب الله دعاء نبيه -صلى الله عليه وسلم-

دور اليهود في دخول أهل المدينة الإسلام الهجرة كان حدثا مخططا ومعدا له منذ سنوات، فإن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان ينزل إلى الناس في موسم الحج يدعوهم إلى الاسلام ويتلو عليهم القرآن.

فصادف في العام الحادي عشر من بعثته صلى الله عليه وسلم أن لقي وفدا من الأنصار أراد الله بهم خيرا، فلقيهم رسول الله وعرض عليهم الإسلام وقرأ عليهم القرآن.

فلما سمعوا ما قاله رسول الله -صلى الله عليه وسلم- نظر بعضهم إلى بعض وقالوا والله إنه للنبي الذي توعدكم اليهود به، وكان هذا مما هيأ الله به أهل المدينة لاستقبال الإسلام فكانوا كلما حدث بينهم وبين اليهود نفرة أو قتال، تهددهم هؤلاء اليهود وقالوا لهم: لقد آن زمان خروج نبي منكم، نتبعه ونقتلكم معه قتل عاد وإرم.
هؤلاء العرب يعرفون أن اليهود أهل علم وكتاب، فكانوا كلما سمعوا ذلك خافوا، فلما سمعوا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- آمنوا من فورهم ووعدوه أن يدعوا قومهم إلى مثل ما دعاهم إليه.

بيعة العقبة الأولى

فلما كان العام التالي جاء في موسم الحج وفد من الأنصار مكونا من اثنا عشر رجلا، بايعهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عند العقبة وكانت هذه هي بيعة العقبة الأولى،

ثم رجعوا وأرسل رسول الله معهم مصعب بن عمير ليعلمهم الاسلام وليتلو عليهم القرآن. فما بقي بيت من بيوت المدينة الا ويتحدث عن الاسلام.

 

بيعة العقبة الثانية

فلما كان العام الذي بعده جاء وفد من الأنصار في موسم الحج، وكانوا بضعة وسبعين منهم امرأتان، بايعوا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وكانت هذه هي بيعة العقبة الثانية.

تكوين حاصنة للإسلام في المدينة وهكذا استطاع النبي -صلى الله عليه وسلم- أن يكوّن حاضنة للإسلام ولأهله في المدينة كلهم على أتم استعداد لأن يدافعوا عن رسول الله ومن معه كما يدافعون عن أنفسهم وأموالهم وأولادهم ونسائهم.

عزم قريش على قتل النبي وأحست قريش بهذا الخطر بوجود تلك الحاضنة للمسلمين في المدينة، وأدركوا أن رسول الله إذا ذهب إليهم، سيكوّن بهم قوة، وسيغزوهم فيما بعد فكان
القرار النهائي أن أخذوا قرارهم بأن يقتلوا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-

الإعداد والتخطيط

هذا الأمر نتعلم منه أنه لا عشوائية في الاسلام، وهؤلاء الذين يعيشون حياتهم بلا إعداد وتخطيط ويقولون اتركها على الله فهؤلاء إنما يعيشون بعشوائية لا يرضاها الإسلام، ولو كان هذا مبدأ صحيحا لكان رسول الله أولى به.

الإعداد الحربي

لكن الإسلام يعلمنا الإعداد والتخطيط لكل شيء ثم بعد ذلك نترك الأمور على الله تعالى، فالله تعالى أمرنا بالإعداد الحربي بأن نستعد للقاء العدو قبل لقائه فقال الله تعالى:

(‌وَأَعِدُّواْ ‌لَهُم مَّا ٱسۡتَطَعۡتُم مِّن قُوَّةٖ وَمِن رِّبَاطِ ٱلۡخَيۡلِ تُرۡهِبُونَ بِهِۦ عَدُوَّ ٱللَّهِ وَعَدُوَّكُمۡ وَءَاخَرِينَ مِن دُونِهِمۡ لَا تَعۡلَمُونَهُمُ ٱللَّهُ يَعۡلَمُهُمۡۚ وَمَا تُنفِقُواْ مِن شَيۡءٖ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ يُوَفَّ إِلَيۡكُمۡ وَأَنتُمۡ لَا تُظۡلَمُونَ)

التخطيط الاقتصادي

الإسلام يأمرنا بأن نعد خطة اقتصادية لحياتنا، كما بين الله تعالى في قصة يوسف -عليه السلام- لما فسر رؤيا الملك واستطاع بهذا التفسير أن ينجو بمصر من مجاعة محققة عندما بين لهم أن مصر ستمر بسبعة أعوام فيها خصب ونماء، وأننا لا بد وأن نستفيد من هذا الخصب والنماء فندخر منه لنواجه الأعوام السبعة التي تأتي بعدها يكون فيها جدب وقحط.
وهكذا استطاع أن يدخر من أعوام الخصب لأعوام الجدب، واستطاع أن ينجو بالناس من مجاعة محققة.

فقال الله تعالى: (يُوسُفُ أَيُّهَا ٱلصِّدِّيقُ ‌أَفۡتِنَا ‌فِي سَبۡعِ بَقَرَٰتٖ سِمَانٖ يَأۡكُلُهُنَّ سَبۡعٌ عِجَافٞ وَسَبۡعِ سُنۢبُلَٰتٍ خُضۡرٖ وَأُخَرَ يَابِسَٰتٖ لَّعَلِّيٓ أَرۡجِعُ إِلَى ٱلنَّاسِ لَعَلَّهُمۡ يَعۡلَمُونَ * قَالَ تَزۡرَعُونَ سَبۡعَ سِنِينَ دَأَبٗا فَمَا حَصَدتُّمۡ فَذَرُوهُ فِي سُنۢبُلِهِۦٓ إِلَّا قَلِيلٗا مِّمَّا تَأۡكُلُونَ * ثُمَّ يَأۡتِي مِنۢ بَعۡدِ ذَٰلِكَ سَبۡعٞ شِدَادٞ يَأۡكُلۡنَ مَا قَدَّمۡتُمۡ لَهُنَّ إِلَّا قَلِيلٗا مِّمَّا تُحۡصِنُونَ * ثُمَّ يَأۡتِي مِنۢ بَعۡدِ ذَٰلِكَ عَامٞ فِيهِ يُغَاثُ ٱلنَّاسُ وَفِيهِ يَعۡصِرُونَ)

معنى التخطيط

التخطيط هو قرار يتخذه الإنسان أو هو تنبأ بالمستقبل، أنت تريد أن تفعل كذا أو تريد أن تكون كذا، ثم بعد ذلك تكون الرؤية ثم بعد ذلك يكون التنفيذ.

مراحل خلق الإنسان

وهذا نراه في خلق الله تعالى للانسان، فإن خلق الإنسان لم يأت دفعة واحدة، وانما جاء على مراحل.
كانت المرحلة الأولى القرار الذي اتخذه الله بخلق الانسان، ثم بعد ذلك الرؤيا، حيث قال الله تعالى: (وَإِذۡ قَالَ رَبُّكَ لِلۡمَلَٰٓئِكَةِ إِنِّي ‌جَاعِلٞ ‌فِي ‌ٱلۡأَرۡضِ خَلِيفَةٗۖ).

ثم بعد ذلك التنفيذ بأن خلق الله آدم، وأمر ملائكته بالسجود له، ثم كان ما كان بعد ذلك، إذا الحياة التي تسير بعشوائية ليست تسير على منهج الله تعالى، إنما الإعداد والتخطيط هو ما أمرنا الله تعالى به، والأخذ بالأسباب ثم الاعتماد على رب الأسباب.

شارك

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *