ما حكم الانتحار؟ وهل المنتحر كافر؟ أسئلة يكثر السؤال عنها هل المنتحر ما زال على الإسلام، وهل يدخل في عفو الله ومشيئته إن شاء عفا عنه وإن شاء عاقبه أم لا؟ هذا ما سنجيب عنه في هذا المقال.
الانتحار من كبائر الذنوب
الانتحار كبيرة من الكبائر فهو من عظائم الذنوب والآثام عند الله ، فالله تعالى قال :
(يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَانًا وَظُلْمًا فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا).
وهنا قول الله: (ولا تقتلوا أنفسكم) يراد به أحد أمرين:
إما ولا يقتل بعضكم بعضا، فإذا كان الله حرم علينا أن يقتل المسلم أخاه فإن قتل المسلم لنفسه محرم من باب أولى، فالله حرم على المسلم أن يقتل أخاه لحرمة دم المؤمن، وحرم قتل الإنسان نفسه لحق الله في نفسه.
وإما أن يكون المقصود بقول الله : (ولا تقتلوا أنفسكم) لا يقتل الواحد منكم نفسه بأن ينهي حياته بالانتحار.
وبين رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن الانتحار من كبائر الذنوب فقد أخرج البخاري في صحيحه عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ:
(مَنْ تَرَدَّى مِنْ جَبَلٍ فَقَتَلَ نَفْسَهُ فَهُوَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ يَتَرَدَّى فِيهِ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا، وَمَنْ تَحَسَّى سُمًّا فَقَتَلَ نَفْسَهُ، فَسُمُّهُ فِي يَدِهِ يَتَحَسَّاهُ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا، وَمَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ بِحَدِيدَةٍ، فَحَدِيدَتُهُ فِي يَدِهِ يَجَأُ بِهَا فِي بَطْنِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا)
معنى الخلود في النار للمنتحر
ليس المقصود بالخلود الوارد في الحديث هنا هو التأبيد على الإطلاق؛ لأن الخلود نوعان: خلود مطلق: وهذا يكون للكافر والمنافق، وخلود مؤقت بمدة لكن أطلق الخلود عليها لطول هذه المدة.
والعرب يستخدمون لفظة الخلود ويقصدون بها طول البقاء، فيقولون: خلد الله ملكك. وهم يعرفون أن الدنيا إلى زوال وإنما يقصدون بذلك طول البقاء.
المنتحر داخل في مشيئة الله
الدليل على أن المنتحر داخل في مشيئة الله إن شاء عفا عنه وإن شاء عاقبه قول الله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ
افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا).
فالذنب الوحيد الذي لا يغفره الله لصاحبه أن يلقى الله مشركا، وأما ما عدا ذلك من الذنوب فهو داخل في مشيئة الله إن شاء عفا عن صاحبه وإن شاء عاقبه، والانتحار ذنب من هذه الذنوب التي تدخل في المشيئة.
ومما يؤكد أن المنتحر داخل في مشئة الله إن شاء عفا عنه وإن شاء عاقبه ما رواه الإمام مسلم في صححيه، عَنْ جَابِرٍ أَنَّ الطُّفَيْلَ بْنَ عَمْرٍو الدَّوْسِيَّ أَتَى النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، هَلْ لَكَ فِي حِصْنٍ حَصِينٍ وَمَنْعَةٍ؟ قَالَ: حِصْنٌ كَانَ لِدَوْسٍ فِي الْجَاهِلِيَّةِ – فَأَبَى ذَلِكَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِلَّذِي ذَخَرَ اللهُ لِلْأَنْصَارِ، فَلَمَّا هَاجَرَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِلَى الْمَدِينَةِ، هَاجَرَ إِلَيْهِ الطُّفَيْلُ بْنُ عَمْرٍو وَهَاجَرَ مَعَهُ رَجُلٌ مِنْ قَوْمِهِ، فَاجْتَوَوُا الْمَدِينَةَ، فَمَرِضَ فَجَزِعَ، فَأَخَذَ مَشَاقِصَ لَهُ، فَقَطَعَ بِهَا بَرَاجِمَهُ، فَشَخَبَتْ يَدَاهُ حَتَّى مَاتَ،
فَرَآهُ الطُّفَيْلُ بْنُ عَمْرٍو فِي مَنَامِهِ، فَرَآهُ وَهَيْئَتُهُ حَسَنَةٌ، وَرَآهُ مُغَطِّيًا يَدَيْهِ، فَقَالَ لَهُ: مَا صَنَعَ بِكَ رَبُّكَ؟ فَقَالَ: غَفَرَ لِي بِهِجْرَتِي إِلَى نَبِيِّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: مَا لِي أَرَاكَ مُغَطِّيًا يَدَيْكَ؟ قَالَ: قِيلَ لِي: لَنْ نُصْلِحَ مِنْكَ مَا أَفْسَدْتَ، فَقَصَّهَا الطُّفَيْلُ عَلَى رَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (اللهُمَّ وَلِيَدَيْهِ فَاغْفِرْ).
معنى عدم صلاة النبي على المنتحر
ورد عدم صلاة النبي -صلى الله عليه وسلم- على المنتحر، في حديث جابر بن سمرة حيث قال: أتي النبي –صلى الله عليه وسلم- برجل قتل نفسه بمشاقص فلم يصل عليه. ]مسلم[
وهذا الفعل كان من النبي -صلى الله عليه وسلم- من باب التغليظ على قاتل نفسه، وزجرا للأحياء عن مثل فعله، وجماهير العلماء على أنه تجوز الصلاة على المنتحر؛ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- وإن كان ترك الصلاة عليه لكن الصحابة صلوا عليه.
وقد ورد أن النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ترك الصَّلَاةَ فِي أَوَّلِ الْأَمْرِ عَلَى مَنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ، زَجْرًا لَهُمْ عَنِ التَّسَاهُلِ فِي الِاسْتِدَانَةِ وَعَنْ إِهْمَالِ وَفَائِهِ، وَأَمَرَ أَصْحَابَهُ بِالصَّلَاةِ عَلَيْهِ فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (صَلُّوا عَلَى صَاحِبِكُمْ).
عن سلمة بن الأكوع -رضي الله عنه- قال: (كنا جلوسا عند النبي -صلى الله عليه وسلم- إذ أتي بجنازة، فقالوا: صل عليها، فقال: هل عليه دين، قالوا: لا، قال: فهل ترك شيئا،
قالوا: لا، فصلى عليه.
ثم أتي بجنازة أخرى، فقالوا: يا رسول الله، صل عليها، قال: هل عليه دين، قيل: نعم، قال: فهل ترك شيئا، قالوا: ثلاثة دنانير، فصلى عليها. ثم أتي بالثالثة، فقالوا: صل عليها، قال:
هل ترك شيئا، قالوا: لا، قال: فهل عليه دين، قالوا: ثلاثة دنانير، قال: صلوا على صاحبكم. قال أبو قتادة: صل عليه يا رسول الله وعلي دينه، فصلى عليه.) ]البخاري[
اقرأ المزيد: