عناية الصحابة بكتابة السنة وسماعها من النبي

عناية الصحابة بكتابة السنة وسماعها من النبي

لقد بلغ حرص الصحابة -رضوان الله عليهم- على السنة مبلغا كبيرا، حتى كان بعضهم يكتب ما يسمعه من رسول الله -صلى الله عليه وسلم-

لقد بلغ حرص الصحابة -رضوان الله عليهم- على السنة مبلغا كبيرا، حتى كان بعضهم يكتب ما يسمعه من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مخافة أن ينسى شيئا من أحاديثه صلى الله عليه وسلم.

إخبار أبي هريرة عمن كان يكتب السنة

يقول أبو هريرة رضي الله عنه-: (ما من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- أحد أكثر حديثا عنه مني، إلا ما كان من عبد الله بن عمرو فإنه كان يكتب ولا أكتب)]أخرجه البخاري في كتاب فضائل القرآن / باب أنزل القرآن على سبعة أحرف 1 / 54 رقم 113[.

عبد الله بن عمرو يكتب كل شيء يسمعه من النبي

هذا عبد الله بن عمرو يقول: (كنت أكتب كل شىء أسمعه من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أريد حفظه، فنهتني قريش، وقالوا: أتكتب كل شىء تسمعه ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- بشر يتكلم في الغضب والرضا، فأمسكت عن الكتاب، فذكرت ذلك لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- فأومأ بإصبعه إلى فيه فقال: )اكتب فوالذي نفسي بيده ما يخرج منه إلا حق) ]أخرجه أبو داود في سننه في كتاب العلم / باب في كتابة العلم 2 / 342 رقم 3646. قال ابن حجر: له طرق يقوي بعضها بعضا. فتح الباري شرح صحيح البخاري 1 / 207[.

أبو شاة يطلب من النبي أن يكتبوا له

ولما فتح الله على نبيه صلى الله عليه وسلممكة قام في الناس خطيبا فقام رجل من أهل اليمن يقال له أبو شاه فقال: اكتب لي يا رسول الله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
)اكتبوا لأبي شاه( ]أخرجه البخاري في كتاب اللقطة / باب كيف تعرف لقطة أهل مكة 6 / 2522 رقم 6486[.

ما ورد في النهي عن كتابة السنة

هذه الأحاديث السابقة التي تعطي الإذن بالكتابة وتأمر بها تبين أن الأحاديث التي تنهي عن الكتابة منسوخة كحديث مسلم الذي رواه أبو سعيد الخدري -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: )لا تكتبوا عني، ومن كتب عني غير القرآن فليمحه، وحدثوا عني ولا حرج،.. .( ]أخرجه مسلم في كتاب الزهد والرقائق / باب التثبت في الحديث وحكم كتابة العلم 4 / 2298 رقم 3004[.

لأن الأمر بالكتابة كان في نهاية حياة النبي -صلى الله عليه وسلم- بدليل حديث أبي شاه الذي أمر فيه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بكتابة خطبته له، وكان ذلك في فتح مكة.

وقال ابن كثير: قال البيهقي وابن الصلاح وغير واحد: لعل النهي عن ذلك كان حين يخاف التباسه بالقرآن، والإذن فيه حين أمن ذلك. والله أعلم. وقد حكى إجماع العلماء في الأعصار المتأخرة على تسويغ كتابة الحديث، وهذا أمر مستفيض شائع ذائع من غير نكير. ]الباعث الحثيث شرح اختصار علوم الحديث 111[

تفرغ بعض من الصحابة لتعلم الحديث

لقد كان من الصحابة من ترك الدنيا واعتزلها، وأوقف نفسه لحمل سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم- لنقلها لمن يأتون من بعده، فهذا هو أبو هريرة يحكي عن نفسه فيقول: “إنكم تزعمون أن أبا هريرة يكثر الحديث على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- والله الموعد،

إني كنت امرأ مسكينا ألزم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على ملء بطني، وكان المهاجرون يشغلهم الصفق بالأسواق، وكانت الأنصار يشغلهم القيام على أموالهم،

فشهدت من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ذات يوم وقال: )من يبسط رداءه حتى أقضي مقالتي ثم يقبضه فلن ينسى شيئا سمعه مني(. فبسطت بردة كانت علي، فوالذي بعثه بالحق ما نسيت شيئا سمعته منه. ]أخرجه البخاري في كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة / باب الحجة على من قال إن أحكام النبي صلى الله عليه وسلم كانت ظاهرة 6 / 2677 رقم 6921[

حرص الصحابيات على سماع السنة وتعلمها

لم يكن حفظ السنة قاصرا على الرجال فقط، بل كان هناك من النساء من يحضرن في المسجد يستمعن الحديث من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقد طلبت النساء من النبي -صلى الله عليه وسلم- أن يعلمهن كما يعلم الرجال، ويحدثهن كما يحدث الرجال.

فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه- قال: جاءت امرأة إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقالت: يا رسول الله، ذهب الرجال بحديثك فاجعل لنا من نفسك يوما نأتيك فيه تعلمنا مما علمك الله، فقال: (اجتمعن في يوم كذا وكذا في مكان كذا وكذا).

فاجتمعن فأتاهن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فعلمهن مما علمه الله، ثم قال: (ما منكن امرأة تقدم بين يديها من ولدها ثلاثة إلا كان لها حجابا من النار). فقالت امرأة منهن: يا رسول الله واثنين؟ قال: فأعادتها مرتين، ثم قال: (واثنين واثنين واثنين) [أخرجه البخاري كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة / باب تعليم النبي صلى الله عليه وسلم أمته من الرجال والنساء مما علمه الله ليس برأي ولا تمثيل 6 / 2666 رقم 6880[.

لقد كان النساء والرجال على درجة عالية من الحرص على سماع سنة النبي صلى الله عليه وسلم- والعمل بها وتبليغها للناس كل هذه الأمور التي ذكرتها إنما كانت في زمن النبي -صلى الله عليه وسلم-.

شارك

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *