ضرورة إتقان العمل في الإسلام

ضرورة إتقان العمل في الإسلام

معيار التميز في الإسلام ليس هو العمل فقط وإنما هو إتقان العمل

معيار التميز في الإسلام ليس هو العمل فقط وإنما هو إتقان العمل فليس المهم كثرة الإنتاج وإنما الأهم إحكام العمل وتحسينه.

الأمر بتحسين العمل

كان من الآيات القرآنية التي خاطب الله بها عباده المؤمنين أن أمرهم  بالإحسان؛ لأن الإحسان مسلك يوصل صاحبه لنيل محبة الله، قال الله تعالى: (‌وَأَحۡسِنُوٓاْۚ إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلۡمُحۡسِنِينَ).

وقال الله: (ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلۡمَوۡتَ وَٱلۡحَيَوٰةَ ‌لِيَبۡلُوَكُمۡ أَيُّكُمۡ أَحۡسَنُ عَمَلٗاۚ وَهُوَ ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡغَفُورُ). فليس المطلوب هو مجرد العمل وإنما المطلوب إحسان العمل.

وعن عائشة -رضي الله عنها قالت: (إن الله يحب إذا عمل ‌أحدكم ‌عملا ‌أن ‌يتقنه)أبو يعلى 

وكلمة “عملا” هنا جاءت نكرة لتفيد العموم والشمول، فأي عمل من أعمال الدنيا أو الآخرة ينبغي على الإنسان أن يؤديه بإتقان.

كيف يكون إتقان العمل

يكون إتقان العمل بأن تؤديه الإنسان بالصورة التي طلبها صاحب العمل، فإذا أديت العمل على غير ما طلبه صاحب العمل تكون قد أسأت في أداء هذا العمل.

أقسام الإسلام

دين الله ينقسم إلى ثلاثة أقسام : الإيمان والإسلام والإحسان، وهذه الأقسام هي التي وردت في حديث جبريل المشهور.

فالإيمان هو الأمور الباطنة التي يقوم بها القلب، بمعنى أن الله أوجب علينا أن نؤمن بأشياء ونعتقد وجودها.

والإسلام هو أمور الإسلام الظاهرة التي يؤديها بجوارحه من العبادات الظاهرة التي افترضها الله علينا.

والإحسان هو الإخلاص في أداء العمل وتحسينه وتجويده.

فإذا أتى المؤمن بقسم من هذه الأقسام وترك قسمين أو أتى بقسمين وترك قسما يكون قد أساء العمل ولم في أدائه.

إحسان الصلاة

من العبادات التي أمرنا الإسلام بأدائها بإحسان وإتقان الصلاة فليس الهدف أداءها على أي صورة كانت، وإنما الهدف الأساسي هو الإحسان في أدائها.

عن أبي هريرة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- دخل المسجد، فدخل رجل فصلى، فسلم على النبي -صلى الله عليه وسلم- فرد، وقال: (‌ارجع ‌فصل، ‌فإنك ‌لم ‌تصل).

فرجع يصلي كما صلى، ثم جاء، فسلم على النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: (‌ارجع ‌فصل ‌فإنك ‌لم ‌تصل). ثلاثا، فقال: والذي بعثك بالحق، ما أحسن غيره، فعلمني؟

فقال: (إذا قمت إلى الصلاة فكبر، ثم اقرأ ما تيسر معك من القران، ثم اركع حتى تطمئن راكعا، ثم ارفع حتى تعتدل قائما، ثم اسجد حتى تطمئن ساجدا، ثم ارفع حتى تطمئن جالسا، وافعل ذلك في صلاتك كلها)البخاري

عن حذيفة رأى رجلا لا يتم ركوعه ولا سجوده، فلما قضى صلاته، قال له حذيفة: ما صليت قال: وأحسبه قال : ‌لو ‌مت ‌مت ‌على غير سنة محمد صلى الله عليه وسلم)البخاري

التفاضل في القرآن

القرآن يتفاضل الناس فيه بحسب إجادتهم وإتقانهم لتلاوته ورعاية مخارجه، وبذلك تتفاضل درجاتهم عند الله، عن عائشة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (مثل الذي يقرأ القرآن، وهو حافظ له، مع ‌السفرة ‌الكرام ‌البررة، ومثل الذي يقرأ، وهو يتعاهده، وهو عليه شديد، فله أجران)البخاري

فالأول معدود في الملائكة المطيعين لله، والذي يقرؤه وهو عليه شاق وشديد له أجران: أجر لقراءته وآخر لمشقته، ولا يلزم أنه أفضل من الماهر لأن كون الماهر مع السفرة أفضل من الآخر.

إحسان تربية الأولاد

ليس كافيا أن تكون صاحب بيت، عندك فيه زوجة وأولاد، وإنما يجب عليك أن تكون على قدر هذه المسؤولية قائما بما اوجبه عليك الشرع، فليس في الإسلام أحد بلا مسؤولية.

عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- أنه سمع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: (‌كلكم ‌راع ومسؤول عن رعيته، فالإمام راع وهو مسؤول عن رعيته، 

والرجل في أهله راع وهو مسؤول عن رعيته، والمرأة في بيت زوجها راعية، وهي مسؤولة عن رعيتها، والخادم في مال سيده راع وهو مسؤول عن رعيته)البخاري

فمن المسئولية التي أوجبها الله علينا أن نكون سببا في أن نقي أهل بيتنا من النار؛ لأن الله قال: (يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ‌قُوٓاْ ‌أَنفُسَكُمۡ وَأَهۡلِيكُمۡ نَارٗا وَقُودُهَا ٱلنَّاسُ وَٱلۡحِجَارَةُ عَلَيۡهَا مَلَٰٓئِكَةٌ غِلَاظٞ شِدَادٞ لَّا يَعۡصُونَ ٱللَّهَ مَآ أَمَرَهُمۡ وَيَفۡعَلُونَ مَا يُؤۡمَرُونَ)

المتقن لعمله يتقدم القوم

إتقان العمل يجعل صاحبه مقدما في الإسلام، فإمامة الصلاة ليس أي واحد يصلح لها، وإنما الأولى بها هو الأقرأ لكتاب الله، وهنا نجد أنه قد ورد حديثان ظاهرهما يوهم التعارض لكن في الحقيقة لا تعارض بينهما.

عن مَالِكٌ بن الحويرث قال: أَتَيْنَا إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَنَحْنُ شَبَبَةٌ مُتَقَارِبُونَ، فَأَقَمْنَا عِنْدَهُ عِشْرِينَ يَوْمًا وَلَيْلَةً، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رَحِيمًا رَفِيقًا، فَلَمَّا ظَنَّ أَنَّا قَدِ اشْتَهَيْنَا أَهْلَنَا -أَوْ قَدِ اشْتَقْنَا- سَأَلَنَا عَمَّنْ تَرَكْنَا بَعْدَنَا، فَأَخْبَرْنَاهُ، قَالَ:

(ارْجِعُوا إِلَى أَهْلِيكُمْ، فَأَقِيمُوا فِيهِمْ وَعَلِّمُوهُمْ وَمُرُوهُمْ -وَذَكَرَ أَشْيَاءَ أَحْفَظُهَا أَوْ لاَ أَحْفَظُهَا- وَصَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي، فَإِذَا حَضَرَتِ الصَّلاَةُ فَلْيُؤَذِّنْ لَكُمْ أَحَدُكُمْ، وَلْيَؤُمَّكُمْ أَكْبَرُكُمْ).

وفي رواية أبي داود : وَكُنَّا يَوْمَئِذٍ مُتَقَارِبَيْنِ فِي الْعِلْمِ.

وعَنْ عَمْرِو بْنِ سَلَمَةَ، قَالَ: كُنَّا بِحَاضِرٍ ]بموضع إقامه لا بالبادية [يَمُرُّ بِنَا النَّاسُ إِذَا أَتَوُا النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَكَانُوا إِذَا رَجَعُوا مَرُّوا بِنَا، فَأَخْبَرُونَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: كَذَا وَكَذَا، وَكُنْتُ غُلَامًا حَافِظًا فَحَفِظْتُ مِنْ ذَلِكَ قُرْآنًا كَثِيرًا،

فَانْطَلَقَ أَبِي وَافِدًا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي نَفَرٍ مِنْ قَوْمِهِ فَعَلَّمَهُمُ الصَّلَاةَ، فَقَالَ: (يَؤُمُّكُمْ أَقْرَؤُكُمْ) وَكُنْتُ أَقْرَأَهُمْ لِمَا كُنْتُ أَحْفَظُ فَقَدَّمُونِي فَكُنْتُ أَؤُمُّهُمْ وَعَلَيَّ بُرْدَةٌ لِي صَغِيرَةٌ صَفْرَاءُ، فَكُنْتُ إِذَا سَجَدْتُ تَكَشَّفَتْ عَنِّي، فَقَالَتْ: امْرَأَةٌ مِنَ النِّسَاءِ: وَارُوا عَنَّا عَوْرَةَ قَارِئِكُمْ، [اجمعوا له ثوبًا يستر عورته]

فَاشْتَرَوْا لِي قَمِيصًا عُمَانِيًّا، فَمَا فَرِحْتُ بِشَيْءٍ بَعْدَ الْإِسْلَامِ فَرَحِي بِهِ، فَكُنْتُ أَؤُمُّهُمْ وَأَنَا ابْنُ سَبْعِ سِنِينَ أَوْ ثَمَانِ سِنِينَ.

ففي الحديث الأول الذي بين أن يؤم الناس أكبرهم فكان خطابا موجها لجماعة قد تساووا في العلم فطلب منهم أن يقدموا للإمامة أكبرهم، وفي الحديث الثاني توجه الخطاب لجماعة متفاوتين في العلم فبين لهم أن الأحق بالإمامة هو أقرؤهم لكتاب الله.

شارك

اترك ردّاً