عن أبي مالك الأشعري –رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (الطهور شطر الإيمان، والحمد لله تملأ الميزان، وسبحان الله والحمد لله تملآن ما بين السماوات والأرض، والصلاة نور، والصدقة برهان، والصبر ضياء، والقرآن حجة لك أو عليك، كل الناس يغدو فبايع نفسه فمعتقها أو موبقها)[مسلم]
تكلمة شرح حديث الطهور شطر الإيمان
والصبر ضياء
الصبر هو حبس النفس عن دواعي الهوى، وضد الصبر الجزع، والصبر دليل على أن الصابر راض بقضاء الله وقدره، قال الله:
(وبشر الصابرين الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون)
فالصابرون مسلمون أمرهم لله دائما لأنهم يعلمون أنه لا حول لهم ولا قوة في هذا الكون، وأن الحول والقوة بيد الله لا بيد غيره.
أنواع الصبر
الأول: صبر على الطاعة من أجل الاستمرار على أدائها، فالصلوات التي فرضها الله علينا خمس مرات في اليوم والليلة تحتاج للصبر من أجل المداومة عليها إلى أن يحين الأجل الذي قدره الله لنا.
والثاني: صبر عن المعصية، فالمرء إذا لم يتجلد بالصبر ضد المعاصي وقع فيها، فالطاعات بها نوع مشقة لكن الصبر عليها وتحمل مكارهها يوصل للجنة، والمعاصي بها حظ النفس من الشهوات لكنها تفضي بالإنسان إلى النار، قال النبي –صلى الله عليه وسلم-: (حفت الجنة بالمكاره، وحفت النار بالشهوات)[مسلم].
والثالث: صبر على النوازل والنائبات التي تنزل بالإنسان، فربما يفقد الإنسان بسببها ماله أو ولده أو عزيزا لديه أو ينزل به مرض يفقده صحته، وهذه النوازل هي التي تختبر صبر الإنسان وإيمانه، قال الله تعالى: (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ)
وأما الجزع فهو ضد الصبر، وهو دليل على قلة الإيمان، وأما طلب رفع البلاء من الله دون جزع لا ينافي الصبر، فقد مدح الله أيوب فقال: (إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِراً نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ) مع أنه قال: (أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ)
لماذا وصفت الصلاة بأنها نور، ووصف الصبر بأنه ضياء؟
الضياء أشد من النور؛ فقد وصف الله الشمس بأنها ضياء؛ لأن نورها ذاتي وليس مستمدا من غيره، فهي التي تمد غيرها بالنور، ووصف القمر بأنه نور؛ لأنه يستمد نوره من غيره فقال الله: (هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا).
والسؤال هنا: لماذا جاء وصف الصبر بالضياء الذي هو الأشد، ووصف الصلاة بالنور الذي هو الأقل من الضياء؟
والجواب: لأن كل الأعمال تحتاج للصبر ففعل الطاعات والتي منها الصلاة تحتاج للصبر، والامتناع عن المعاصي يحتاج للصبر، ونوازل الدنيا التي تنزل بالإنسان تحتاج للصبر.
فبدون الصبر لا يستطيع الإنسان الاستمرار على أداء الصلاة فالصبر كالسراج الذي يمد غيره بالضياء وغيره يحتاج إليه.
لذلك قال النبي –صلى الله عليه وسلم-: (وما أعطى الله أحدا من عطاء أوسع من الصبر)[أبو داود]
والقرآن حجة لك أو عليك
القرآن هو كلام الله الذي أنزله على نبيه محمد –صلى الله عليه وسلم- بلفظه ومعناه، والذي تعبدنا الله بتلاوته، فمجرد قراءته عبادة، ولا تتم الصلاة إلا به.
هذا القرآن إما أن ينفع صاحبه فيدافع عنه وذلك إذا عمل بأوامره واجتنب نواهيه، وإما أن يكون القرآن حجة على صاحبه إذا لم يعمل بما فيه.
عن أبي الدرداء -رضي الله عنه- قال : أخوف ما أخاف أن يقال لي يوم القيامة: يا عويمر أعلمت أم جهلت ؟ فإن قلت : علمت ، لا تبقى آية آمرة أو زاجرة إلا أخذت بفريضتها : الآمرة هل ائتمرت ؟ والزاجرة هل ازدجرت ؟ فأعوذ بالله من علم لا ينفع ونفس لا تشبع ودعاء لا يسمع .
كل الناس يغدو فبايع نفسه فمعتقها أو موبقها
كل الناس في هذه الدنيا من مؤمن وكافر، يغدو أي يخرج في أول النهار لطلب الرزق فمنهم يقضي يومه في طلب الرزق الحلال فيرجع وقد استفاد من سعيه طول يومه، فيحصل على المال الذي يعف به نفسه وولده وزوجه ووالديه عن الحرام،
ومنهم من يقضي يومه في غير ما يفيد فيرجع في آخر اليوم دون أن يحصل على شيء غير الخسران.
فالناس جميعا في هذه الدنيا في سفر للآخرة فمنهم من يستفيد من دنياه من أجل أن يربح آخرته ، ومنهم من ينشغل بدنياه وينهمك في طلبها وينسى آخرته.
فمن قضى دنياه في طاعة الله وباع نفسه لله فهذا يكون في الآخرة قد أعتق نفسه من عذاب الله، ومن باع نفسه للشيطان في الدنيا فهذا يأتي في الآخرة وقد أهلك نفسه بالنار، قال الله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ)
وبين الله أن طرائق الناس شتى فمنهم يؤثر أخراه ويجعل الدنيا مطية للآخرة، ومنهم يؤثر دنياه فيقدم نعيم الدنيا على الآخرة، قال الله: (إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى)
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.