سر التعبير القرآني في كلمة: اثاقلتم

سر التعبير القرآني في كلمة: اثاقلتم

سر التعبير القرآني في كلمة: اثاقلتم التي وردت في سورة التوبة في قول الله: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ ‌اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ).

سر التعبير القرآني في كلمة: اثاقلتم التي وردت في سورة التوبة في قول الله: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ ‌اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ).

المتقاعسين عن الجهاد

وصف الله عباده المؤمنين المتقاعسين عن الجهاد بلفظ (اثاقلتم)، وما حدث في هذا اللفظ من قلب وإدغام يتوافق تماما مع حالة المؤمنين الذين وصفتهم الآية في قول الله تعالى: 

(يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ).

التغيير الذي حدث في لفظة: اثاقلتم

كلمة “اثاقلتم” معناها تباطأتم وتقاعستم، وهذه الكلمة حدث فيها أمور وهي: 

القلب والإدغام

وهذا معناه عند الصرفيين:  أن وزن “تفاعل” إذا جاءت الكلمة على هذا الوزن وكان حرف الفاء قريبا في مخرجه من التاء كحرف الثاء مثلا نقلب التاء ثاء ثم تدغم الثاء في الثاء فتصير الثاء حرفا مشددا مشتملا على حرفين: الأول ساكن والثاني متحرك.

ومعروف في اللغة العربية أن الكلمة لا يمكن أن تبدأ بحرف ساكن فنأتي بهمزة الوصل من أجل أن نستطيع النطق بالحرف الساكن الذي في أول الكلمة.

وهذا هو ما حدث في لفظة “اثاقلتم” فأصل الكلمة “تثاقلتم” ثم قلبت التاء ثاء، ثم أدغمت الثاء في الثاء، ثم أتينا بهمزة الوصل لنستطيع النطق بالحرف الساكن الذي في أول الكلمة فقلنا: “اثاقلتم”.

الحروف التي يدغم بعضها في بعض

الحروف التي تدغم في بعضها ستة أحرف وهي: الطاء والدال، والتاء والظاء، والذال والثاء، ستتها يدغم بعضها في بعض.

العلاقة بين ما حدث في الكلمة وحال المؤمنين

السؤال هنا : ما هي العلاقة بين ما حدث في الكلمة من قلب وإدغام وثقل في نطقها، وبين حال المؤمنين الذين جاء في الآية وصفهم؟

قلب حرف التاء

في “تثاقلتم” إلى الثاء تناسب مع تقلب حال بعض المؤمنين من عشقهم للجهاد في سبيل الله وحب الآخرة، إلى التقاعس والتثاقل عن الخروج للجهاد وحب الدنيا.

وكان ذلك في غزوة تبوك لما دعاهم النبي –صلى الله عليه وسلم- إلى الجهاد، كان الحر شديدا، وبالناس عسر وقحط، وقد اقتربت ثمار المدينة أن تطيب، فالناس يحبون المقام في
ثمارهم وظلالهم، تباطؤا وتقاعسوا وهذا على خلاف حالتهم الأولى.

إدغام الثاء في الثاء

حتى صارتا كالحرف الواحد، فهذا  أيضا يصف حال المؤمنين أنهم التصقوا بالأرض ولم يخرجوا للجهاد كالتصاق الثاء بالثاء حتى صاروا والأرض كأنهم شيء واحد متماسك لا ينفك أحدهما عن الآخر.

الثقل الذي في نطق الكلمة

يشير إلى مشقة الجهاد بالنسبة لهؤلاء الذين لم يخرجوا للجهاد في سبيل الله وثقله عليهم كثقل الكلمة في نطقها.

لذلك يقول البلاغيون: إن كلمة “اثاقلتم” فيها نوع من الثقل، وهذا الثقل هو مظهر من مظاهر فصاحتها؛ لأنه يتناسب مع المعنى الذي وردت فيه.

المعنى العام لقول الله: اثاقلتم

في هذه الآية نجد أن الله تعالى ينادي على عباده بمسمى الإيمان للإشارة إلى أن من موجبات الإيمان أن يدعوهم إيمانهم للمبادرة إلى الجهاد لا التقاعس والتباطؤ.

والاستفهام هنا استفهام استنكاري بمعنى التوبيخ، والمعنى: أي شيء منعكم من الاستجابة لأمر الله لكم، والاستنكار هنا هو للتثاقل والتباطؤ حين دعوا للجهاد.

وهذا التثاقل الذي حدث لم يكن من جميع المؤمنين وإنما كان من طائفة منهم فأنكر الله عليهم هذا ليشعروا بالتقصير الذي وقعوا فيه، وليزداد من نفروا للجهاد على دوام الاستجابة لأمر الله، حتى لا يقعوا تحت طائلة اللوم والتوبيخ كهؤلاء المقصرين.

فما متاع هذه الدنيا بجانب الأخرة إلا قليل؛ لأن الدنيا مهما طالت فهي بجانب الآخرة قليلة، والدنيا عما قريب إلى زوال أما الآخرة فهي دار البقاء، وكل ما هو آت قريب.

شارك

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *