سر التعبير القرآني بلفظ: فأكله الذئب. دون فافترسه الذئب مع أنه معلوم أن الافتراس من شأن السباع.
فأكله الذئب
ورد هذا التعبير في سورة يوسف في قول الله تعالى: (قَالُوا يَا أَبَانَا إِنَّا ذَهَبْنَا نَسْتَبِقُ وَتَرَكْنَا يُوسُفَ عِنْدَ مَتَاعِنَا فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ وَمَا أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ وَجَاءُوا عَلَى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ).
الفرق اللغوي بين الأكل والافتراس
هناك فارق كبير بين لفظ الأكل والافتراس، فالافتراس في لغة العرب لا يدل على الأكل وإنما معناه أن يمسك السبع الشاة فيدق عنقها ويكسر عظامها، حتى تكون مهيأة ليأكلها، لذلك يقولون: فرس السبع الشاة إذا دق عنقها وكسرها.
سر التعبير بلفظ الأكل دون الافتراس
لو جاء التعبير بكلمة “الافتراس” بدلا من كلمة “الأكل” لكان سياق الكلام فيه خلل واضح؛ لأنهم لو قالوا لأبيهم فافترسه الذئب، لفهم الرجل العربي أن الكلام هنا فيه نقص واضح؛ لأن معنى الافتراس أن الذئب كسر عظام يوسف ودق عنقه وجعله مهيئا لأن ياكل منه لكنه لم يأكل منه شيئا بعد.
وهذا معناه أن جثة يوسف ما زالت موجودة فكان الطبيعي والمنطقي أن يسأل يعقوب أبناءه عن جثة أخيهم لكنه لم يسأل وذلك لأنهم عبروا له بالأكل الذي يفيد أنه لم يبقى منه شيء حتى يطالبهم به، وهم بهذا التعبير يريدون أن يخفوا آثار جريمتهم.
الحوار الذي دار بين يعقوب وأبنائه
ذكر المؤرخون الحوار الذي دار في هذا اللقاء بين يعقوب وأبنائه لما رجعوا بدون أخيهم يوسف، أنه لما سمع بكاءهم قال:
ما بكم؟ أَجرى في الغنم شيءٌ؟ قالوا: لا، قال: فأين يوسف؟ قالوا: ذهبنا نستبق فأكله الذئب، فبكى وصاح وقال:
أين قميصه؟ فلما جاءوه به ألقاه على وجهه وبكى حتى خضب وجهه بدم القميص وقال: تالله ما رأيت كاليوم ذئبًا أحلم من هذا، أَكل ابنى ولم يمزق عليه قميصه.