سر التعبير باستعصم في قول الله: ولقد راودته عن نفسه فاستعصم

سر التعبير باستعصم في قول الله: ولقد راودته عن نفسه فاستعصم

سر التعبير باستعصم في قول الله: ولقد راودته عن نفسه فاستعصم  دون "اعتصم"

سر التعبير باستعصم في قول الله: ولقد راودته عن نفسه فاستعصم  دون “اعتصم” في قول الله على لسان امرأة العزيز: (قَالَتْ فَذَلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ وَلَقَدْ رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ فَاسْتَعْصَمَ وَلَئِنْ لَمْ يَفْعَلْ مَا آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُونًا مِنَ الصَّاغِرِينَ)؟

زيادة المبنى تدل على زيادة المعنى

قبل التفرقة بين لفظة اعتصم واستعصم من حيث المعنى المراد في الآية لابد وأن نقف على الفروق اللغوية أولا بين اللفظين.

فمن القواعد التي اتفق عليها اللغويون أن “زيادة المبنى تدل على زيادة المعنى”.

فمثلا: الرحمان والرحيم: هذان الاسمان مشتقان من الرحمة على وجه المبالغة، إلا أن لفظة “رحمان” أكثر مبالغةً من “رحيم”؛ لأن لفظة “رحمان” على خمسة أحرف، على وزن فعلان، بينما  “رحيم” على أربعة أحرف، على وزن فعيل.

وهذا يبين لنا أن المعنى الذي اشتمل عليه لفظ “فاستعصم” أكثر من المعنى الذي اشتمل عليه لفظ “اعتصم” لأن لفظ استعصم اشتمل على ستة أحرف، بينما لفظ اعتصم اشتمل على خمسة أحرف.

معنى السين والتاء الزائدتان

من القواعد اللغوية التي ذكرها علماء اللغة أيضا هي أنهم يقولون: إن السين والتاء تزادان في الكلمة ويراد منهما عدة أمور:

الطلب وهذا أكثر ما تستعمل فيه، فإذا قلنا مثلا: “استضفت فلانا كان المعنى طلبت منه أن ينزل عندي ضيفا”.

ومنها المبالغة في الفعل وبذل الجهد فيه.

الفرق بين استعصم واعتصم

مما سبق نستطيع أن نعرف لماذا جاء التعبير القرآني بلفظ “فاستعصم” دون “اعتصم” لأنه لو ورد التعبير بلفظ “اعتصم” لدل ذلك على أن يوسف –عليه السلام- وقف موقف
العصمة موقفا عاديا، وهذا معناه أنه لو زادت مدة الإغراء من امراة العزيز ربما ضعف ومال إلى ما تريده امرأة العزيز منه.

لكن لما جاء التعبير بـلفظة “فاستعصم” أفاد هذا اللفظ أن يوسف –عليه السلام- امتنع عن الوقوع في المعصية امتناعا شديدا، وبالغ في ذلك، وتحصن تحصنا بليغا حتى كان وقوعه في المعصية أمرا مستحيلا، وأنه كلما زادت مدة الإغراء لم يزدد إلا قوة وصلابة.

ولأن امراة العزيز فقدت الأمل في إمالته بالإغراء لجأت إلى التهديد والترهيب بالسجن والتحقير بين الناس في داخل القصر وخارجه، بدلا من الإغراء والإغواء.

وهنا يتبن لنا أن معنى السين والتاء في الآية هنا للمبالغة وليس للطلب؛ لأن أصل العصمة كان موجودا عند يوسف –عليه السلام- وإنما كانت المبالغة في الاستزادة من العصمة هي الحاضرة في هذا الموقف.

امرأة العزيز تنطق ببراءة يوسف عليه السلام

الآية هنا تبين أن امرأة العزيز التي رمت يوسف بأنه يريد منها السوء هي التي تنطق وتبين براءة يوسف –عليه السلام- مما رمته به حيث قالت ما ذكره القرآن: (وَلَقَدْ رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ
فَاسْتَعْصَمَ وَلَئِنْ لَمْ يَفْعَلْ مَا آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُونًا مِنَ الصَّاغِرِينَ
).

وليست هذه هي المرة الوحيدة التي تبرئ فيها امراة العزيز يوسف –عليه السلام-، وإنما نطقت ببراءته في موضع آخر في قول الله -تعالى- لما سأل الملك النسوة عن يوسف:

(قَالَ مَا خَطْبُكُنَّ إِذْ رَاوَدْتُنَّ يُوسُفَ عَنْ نَفْسِهِ قُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِ مِنْ سُوءٍ قَالَتِ امْرَأَتُ الْعَزِيزِ الْآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَا رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ ذَلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ)

شارك

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *