حرص التابعين على حفظ السنة النبوية

حرص التابعين على حفظ السنة النبوية

إذا كان جيل الصحابة قد قاموا بخدمة السنة النبوية وبذلوا حياتهم من أجل ذلك فكانوا أهلا لحمل رسالة الإسلام، فقد هيأ الله من التابعين

إذا كان جيل الصحابة قد قاموا بخدمة السنة النبوية وبذلوا حياتهم من أجل ذلك فكانوا أهلا لحمل رسالة الإسلام، فقد هيأ الله من التابعين من ساروا على نهج الصحابة -رضوان الله عليهم- وأدوا الأمانة كاملة غير منقوصة.

التابعون هم تلاميذ الصحابة

فكما رأينا أن الصحابة تفرقوا في الأمصار وصار لكل منهم تلاميذ كان هؤلاء التلاميذ هم من التابعين، ومنهم من جمع ما قدر على جمعه لكنه لم يستطع أن يستوعب كل الأحاديث، إنما جمع جملة منها، وهو جهد يؤجرون عليه.

جمع الأحاديث لمعرفة الأحكام

بقي هنا أمر ضروري وهو أنه لابد من جمع كل هذه الأحاديث التي عند كل هؤلاء الصحابة؛ لأن عند بعضهم ما ليس عند الآخر، وهناك أحاديث ناسخة، وأحاديث منسوخة، فربما يكون عند أحدهم الحديث الناسخ،
وعند الآخر الحديث المنسوخ، 
فكان لابد من جمع ما عند هذا وذاك حتى نستطيع أن نبين الحديث الذي يعمل به والحديث المنسوخ الذي لا يعمل به.

وكذلك قد يكون عند بعضهم الحديث مطلقا وعند الآخر الحديث مقيدا، والمقيد مثلا متأخر عن المطلق، وقد نعرف المتأخر عن طريق ذكر الوقت الذي قيل فيه كأن يقال مثلا: في حجة الوادع، أو بعد غزوة كذا، الخ،

إذاً فكان جمع كل ما قاله النبي صلى الله عليه وسلم- أمرا ضروريا، حتى نُصدر الأحكام الصحيحة، فيُحمل المطلق على المقيد، ويُترك المنسوخ ويعمل بالناسخ، الخ.

جمع أسانيد الأحاديث

ما سبق يتعلق بمتون الأحاديث، أما بالنسبة للسند فقد يكون الحديث ضعيفا من طريق، صحيحا من طريق آخر، وربما يكون الحديث ورد كاملا من طريق، وورد ناقصا من طريق آخر،  لذا كان المتقدمون حريصين على أن يرووا الحديث من عدة طرق.

قال يحيى بن معين: لو لم نكتب الحديث من ثلاثين وجها ما عقلناه. وقال علي بن المديني: الباب إذا لم يجمع طرقه لم يتبن خطؤه]كشف اللثام عن أسرار تخريج أحاديث سيد الأنام 1 / 178[.

عدد الصحابة الذين رووا عن رسول الله

هذه الأمور السابقة كانت سببا قويا في دفع العلماء لجمع كل مرويات السنة عن الصحابة -رضوان الله عليهم- ولا شك أن هذا الأمر بالنسبة للمتقدمين كان أمرا شاقا لأن عدد الصحابة -رضوان الله عليهم- كان كثيرا جدا.

قال الشافعي:  روى عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ورآه من المسلمين نحو من ستين ألفا. وقال أبو زرعة الرازي: شهد معه حجة الوداع أربعون ألفا، وكان معه بتبوك سبعون ألفا وقبض عليه الصلاة والسلام عن مائة ألف وأربعة عشر ألفا من الصحابة]الباعث الحثيث شرح اختصار علوم الحديث للحافظ ابن كثير 157[.

التقميش ثم التفتيش

كان التابعون -رضوان الله عليهم- الواحد منهم يجمع كل ما قدر عليه من أحاديث النبي -صلى الله عليه وسلم- دون تفتيش عن صحة هذا الذي جمعه وهذا يسمى التقميش، فإذا أراد أن يحدث يفتش في أحوال
الرجال ولا يحدث إلا بما ثبتت صحته عنده.  

قال أبو حاتم: إذا كتبت فقمش، وإذا حدثت ففتش. قال العراقي: كأنه أراد اكتب الفائدة ممن سمعتها ولا تؤخر حتى تنظر هل هو أهل للأخذ عنه أم لا، فربما فات ذلك بموته أو سفره أو غير ذلك، فإذا كان وقت الرواية أو العمل ففتش حينئذ.

ويحتمل أنه أراد استيعاب الكتاب وترك انتخابه، أو استيعاب ما عند الشيخ وقت التحمل ويكون النظر فيه حال الرواية.

قال: وقد يكون قصد المحدث تكثير طرق الحديث وجمع أطرافه فتكثر بذلك شيوخه، ولا بأس به فقد قال أبو حاتم: لو لم نكتب الحديث من ستين وجها ما عقلناه]تدريب الراوي في شرح تقريب النواوي 3 / 782[.

الاعتماد على الأسانيد في قبول الأحاديث أو ردها

كان الأساس الذي يعتمد عليه حملة السنة في قبول الرواية من عدمه هو الأسانيد، روى الإمام مسلم في مقدمة صحيحه عن ابن سيرين قال: لم يكونوا يسألون عن الإسناد فلما وقعت الفتنة قالوا سموا لنا رجالكم]أخرجه مسلم في مقدمة صحيحه / باب بيان أن الإسناد من الدين 1 / 12[.

ظهور علم الجرح والتعديل

ثم ظهر علم الجرح والتعديل ومن تقبل روايته ومن ترد، والحقيقة أن هذا العلم مبدؤه من زمن النبي -صلى الله عليه وسلم- فقد جرح رسول الله صلى الله عليه وسلم- وعدل.

جرح النبي  لبعض الناس

فقد جاء في حديث مسلم الذي رواه عن عائشة قالت: أن رجلا استأذن على النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: )ائذنوا له، فلبئس ابن العشيرة، أو بئس رجل العشيرة.…. (]أخرجه مسلم في كتاب البر والصلة والآداب / باب مداراة من يتقى فحشه 4 / 2002 رقم 2591

تعديل النبي لبعض الصحابة

وقد مدح النبي صلى الله عليه وسلم- عبد الله بن عمر فقال: )عن سالم، عن أبيه رضي الله عنه قال: كان الرجل في حياة النبي صلى الله عليه وسلم إذا رأى رؤيا، فأقصها على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكنت غلاما شابا،

وكنت أنام في المسجد على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فرأيت في النوم كأن ملكين أخذاني فذهبا بي إلى النار، فإذا هي مطوية كطي البئر، وإذا لها قرنان، وإذا فيها أناس قد عرفتهم، فجعلت أقول: أعوذ بالله من النار،

قال: فلقينا ملك آخر، قال لي: لم ترع. فقصصتها على حفصة، فقصتها حفصة على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: (نعم الرجل عبد الله، لو كان يصلي من الليل). فكان بعد لا ينام من الليل إلا قليلا.البخاري

ثم كان في الصحابة من تكلم في الجرح والتعديل، لكن كلامهم كان يتجاوز الأصحاب لما هو معروف من عدالتهم.

ورد في كشف اللثام: وقد تكلم في الرجال قوم لا يتهيأ حصرهم، فمن الصحابة: عبادة بن الصامت وابن عباس، وأنس، وكان حديثهم يتجاوز الأصحاب لما هو مقرر من القطع بعدالة الأصحاب جميعا -رضي الله عنهم
أجمعين-.

ومن التابعين: سعيدُ بنُ المُسَيِّبِ، والشعبي، وابن سيرين، وكان الذين تكلموا في حقهم من الأتباع الذين ليست لهم أهلية لتحمل هذا العلم من جهة الضبط، وهم قليل إذا ما قورنوا بغيرهم من بعدهم ويرجع ذلك لوفرة الثقات خلال القرن الأول الهجري، 

أما من كان من الضعفاء من أوساط التابعين في القرن الثاني وهم أكثر ممن قبلهم، فإن ضعفهم قد نشأ فيهم من جهة تحملهم وضبطهم للحديث أيضا، فكانوا يرسلون كثيرا كما كانوا يرفعون الموقوف ولم يخل بعضهم من أغلاط، ولما كان آخر عصر التابعين وهو حدود الخمسين والمائة تقريبا، تكلم في الجرح والتعديل طائفة من الأئمة: كالأعمش، وشعبة، ومالك، ثم تلاهم من بعدهم إلى ظهور المؤلفات المنهجية فيه على يد الحافظ علي بن المديني، ثم سار على دربه من بعده من الأئمة”]كشف اللثام عن أسرار تخريج أحاديث سيد الأنام 2 / 313[.

وبهذا نجد أن التابعين قاموا بأداء الأمانة التي تحملوها من الصحابة وأدوها لمن بعدهم كاملة غير منقوصة، واحتاطوا لسنة نبيهم صلى الله عليه وسلم- ليفرقوا بين ما هو صحيح ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم- وما هو ضعيف ودخيل.

 

شارك

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *