الأمر الذي نريد أن نشير إليه وهو مراحل الفتوى، ما هي المراحل التي يمر بها الفقيه عندما يأتي أحد من الناس فيسألهالمراحل التي تمر بها الفتوى
المرحلة الأولى من مراحل الفتوى
المرحلة الاولى هي مرحلة التصور، عندما يأتي واحد من الناس فيسأل عن مسألة من المسائل يتصور الفقيه المسألة تصورا صحيحا أولا، فيفهم المسألة على وجهها الصحيح من هذا السائل.
المرحلة الثانية من مراحل الفتوى
ثم بعد ذلك بعد أن يفهم الفقيه المسألة يدخل على المرحلة الثانية وهي مرحلة التكييف، والتكييف معناه التوصيف،
يعني ينظر في الأدلة التي عنده وفي أبواب الفقه، هل هذه المسألة لها مثيل أم ليس لها مثيل، فإن كانت هذه المسألة لها مثيل يكون قد كيَّف المسألة فيضع المسألة مثلا في باب البيع أو في باب الإجارة أو غير ذلك.
المرحلة الثالثة من مراحل الفتوى
ثم يأتي للمرحلة الثالثة وهي الاستدلال، فيستدل على هذه المسألة التي سأله السائل عنها بدليل من الكتاب أو السنة، أو بدليل من أقوال الفقهاء.
فإذا أتى بالدليل على المسألة يقوم بتطبيق المسألة على السائل، فيقول له هذا الأمر حلال أو هذا الأمر حرام.
إذا الفقيه يمر أولا بالتصور الصحيح للمسألة، ثم بعد ذلك تكييف المسألة، ثم بعد ذلك الاستدلال على المسألة، ثم بعد ذلك تطبيق المسألة على السائل.
أحوال تطبيق الفتوى على المستفتي
وهذا التطبيق أيضا له أحوال، فأحيانا المسألة تكون حلالا لكن عند التطبيق يعطي المفتي حكما بأن هذا الأمر حرام.
مثال ذلك مثلا أن يأتي السائل ويسأل الفقيه عن حكم بيع العنب، طبعا الفقيه يمر بهذه المراحل التي تكلمنا عنها، وينتهي إلى أن هذا في باب البيع ويأتي بالدليل الذي يبيح البيع ثم يخلص في النهاية إلى أن البيع حلال.
لكن يأتي السائل في نهاية الكلام ويقول له إن الذي يشتري هذا العنب مني إنما يأخذه ويقوم بصنع الخمر منه، في هذه الحالة يعطيه الحكم بأن بيع العنب حرام، أي بيع العنب لهذا الرجل الذي يصنع منها الخمر إنما هو حرام، يبقى اختلفت الفتوى باختلاف حال المستفتي.
حكم بيع السكاكين
وكهذا الرجل الذي يبيع السكاكين في دكانه مثلا فهذا البيع حلال لكن حدثت مشاجرة أمام محله، وذهب واحد من المتشاجرين إليه ليطلب منه أن يبيعه سكينا، في هذه الحال هذا البيع يكون حراما ولا يجوز له أن يبيعه هذا السكين؛
لأنه يعلم أنه سيأخذها ويستخدمها في هذه المشاجرة، فربما يقتل بها أحدا، يبقى إذا الحكم قد يصل الفقيه في النهاية إلى أنه حلال لكن عند تطبيقه ينقلب إلى حرام لاختلاف حالة المستفتي.
شرب الخمر حلال
وقد يكون الحكم حراما، يعني يمر الفقيه بهذه المراحل، وينتهي إلى أن هذا الأمر حرام لكن عند تطبيقه على المستفتي يكون الحكم حلال،
كحكم الخمر مثلا، هي حرام محرمة في القرآن ومحرمة في السنة، لكن السائل الذي يسأل إنما يسأل أنه قد أصابته غصة وكاد أن يموت ولا يجد شيئا ليبتلع به ما وقف في حلقه، ولم يجد إلا خمرا، فهل يجوز له أن يشرب الخمر؟
حفظ النفس مقدم على حرمة الخمر
في هذه الحالة المفتي يعطيه الحكم بأنه يجوز له أن يشرب الخمر؛ لأن حفظ النفس مقدم على حرمة الخمر.
فالشرع يبيح له ذلك ليحفظ نفسه، وهذا هو ما ورد في كتاب الله -عز وجل- حيث قال الله تعالى: (حرمت عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير) الى غير ذلك من المحرمات التي ذكرها الله تعالى بالتحريم بصورة قاطعة ثم قال الله -عز وجل- في نهاية الآية: (فمن اضطر في مخمصة غير متجانف لإثم فإن الله غفور رحيم)
عظم أمر الفتوى
كل هذا إنما نتعلم منه أن أمر الفتوى هو ليس مجرد نصوص يحفظها الإنسان ويضعها في أي موضع أو يطبقها على أي أحد من الناس.
وليس أمر الفتوى هي مجرد أقوال فقهاء تحفظ بلا فهم وبلا تعقل ثم نضعها على أي زمان وأي مكان وأي عرف أو أي عادة إنما هذه الفتوى لها أدواتها ولها وسائلها ولها طرقها التي يجب على الإنسان أن يكون على علم بها حتى لا يكون سببا في إضلال الناس وغنما يكون سببا في هداية الناس.