الجمع بين الأحاديث المتعارضة في النذر

الجمع بين الأحاديث المتعارضة في النذر

الجمع بين الأحاديث المتعارضة في النذر فقد تعارضت الآثار في أمر النذر منها يجيز النذر والآخر لا يجيز.

الجمع بين الأحاديث المتعارضة في النذر فقد تعارضت الآثار في أمر النذر منها يجيز النذر والآخر لا يجيز.

معنى النذر

النذر في اللغة هو إلزام الإنسان نفسه بفعل خير أو شر، كأن يقول: نذرت أن أتصدق بكذا، أو أقتل فلانا، وأما في الشرع فمعناه هو فرض الإنسان على نفسه شيئا لم يفرضه الله عليه.

حديث النهي عن النذر

عَنِ ابْنِ عُمَرَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- قَالَ: نَهَى النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنِ النَّذْرِ. وَقَالَ: (إِنَّهُ لاَ يَرُدُّ شَيْئًا، وَإِنَّمَا يُسْتَخْرَجُ بِهِ مِنَ البَخِيلِ)]رواه البخاري[

ليس المقصود في هذا الحديث من نهي النبي -صلى الله عليه وسلم- عن النذر إبطاله وإسقاط حكمه، وإلا لما أوجب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لزوم الوفاء به.

وإنما أراد النبي -صلى الله عليه وسلم- من النهي أن يبين لهم أن هذا النذر في ذاته لا يجلب لهم الخير، ولا يدفع عنهم الشر، ولا يغير شيئا قضاه الله، فلا تتعلق قلوبكم بالنذر؛ لأنه لا يقدم شيئا من قدر الله ومشيئته ولا يؤخره، وإنما يجب عليكم أن تتعلق قلوبكم بالله فهو الذي يجلب النفع لكم ويدفع الضر عنكم، فإذا نذرت شيئا فكونوا متعلقين بالله لا بالنذر الذي نذرتموه.

فالنذر مثله كمثل الدعاء لا يرد شيئا من القدر، ولكنه من القدر الذي قدره الله تعالى.

وهذا النذر يستخرج الله به المال من البخيل؛ لأنه لولا النذر الذي نذره بسبب رغبته في شيء أو خوفه من أمر من الأمور لما بذل شيئا من ماله.

النذر الذي يجب الوفاء به

النَّذرُ على أربعةِ أقسامٍ: نذر في طاعة، أو في معصية أو مكروهٌ، أو في مباح.

والنذر في الطاعة هو الذي يجب الوفاء به، وأما النذر في المعصية والمكروه فيجب تركه، وأمّا النذر في المباحُ فالإنسان مُخَيَّرٌ فيه.

فعَنْ عَائِشَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (مَنْ نَذَرَ أَنْ يُطِيعَ اللَّهَ فَلْيُطِعْهُ، وَمَنْ نَذَرَ أَنْ يَعْصِيَهُ فَلاَ يَعْصِهِ)[رواه البخاري]

وأما إذا نذر الإنسان شيئا وعجز عن الوفاء به فكفارته كفارة يمين، لما رواه مسلم في صحيحه عن عقبة بن عامر، عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (كفارة
النذر كفارة اليمين)
.

وَذَكَرَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ أَنَّهُ أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى صِحَّةِ النَّذْرِ وَوُجُوبِ الْوَفَاءِ بِهِ إذَا كَانَ الْمُلْتَزَمُ طَاعَةً فَإِنْ كَانَ مَعْصِيَةً أَوْ مُبَاحًا كَدُخُولِ السُّوقِ لَمْ يَنْعَقِدْ النَّذْرُ وَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ عِنْدَنَا وَبِهِ قَالَ
جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ.

 دليل مشروعية النذر

فمما يدل على مشروعية النذر ما ورد في قول الله تعالى: (وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ نَفَقَةٍ أَوْ نَذَرْتُمْ مِنْ نَذْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ).

والمعنى وما أنفقتم أيها المكلفون من نفقة صغيرة أو كبيرة أو نذرتم من نذر فإن الله يعلمه ويعلم توجه القلوب عند أداء النفقة أو النذر سواء كانت لله أو كانت لغير الله.

وبين الله من أسباب نعيم أهل الجنة أنهم كانوا يوفون بما أوجبوه على أنفسهم، وهذا معناه أن وفاءهم بما أوجبه الله عليهم كان أهم بالنسبة لهم فقال الله تعالى: (يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا).

 ومما يدل على مشروعية النذر ما روي عن ثَابِتُ بْنُ الضَّحَّاكِ قَالَ: نَذَرَ رَجُلٌ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنْ يَنْحَرَ إِبِلًا بِبُوَانَةَ، فَأَتَى النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: إِنِّي نَذَرْتُ أَنْ أَنْحَرَ إِبِلًا بِبُوَانَةَ. 

فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (هَلْ كَانَ فِيهَا وَثَنٌ مِنْ أَوْثَانِ الْجَاهِلِيَّةِ يُعْبَدُ؟) قَالُوا: لَا. قَالَ: (هَلْ كَانَ فِيهَا عِيدٌ مِنْ أَعْيَادِهِمْ؟) قَالُوا: لَا، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (أَوْفِ بِنَذْرِكَ، فَإِنَّهُ لَا وَفَاءَ لِنَذْرٍ فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ، وَلَا فِيمَا لَا يَمْلِكُ ابْنُ آدَمَ)[رواه أبو داود]

وعَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ عُمَرَ -رضي الله عنهما- قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي نَذَرْتُ فِي الجَاهِلِيَّةِ أَنْ أَعْتَكِفَ لَيْلَةً فِي المَسْجِدِ الحَرَامِ، قَالَ: (أَوْفِ بِنَذْرِكَ)[رواه البخاري]

فهذه الآيات والأحاديث تدل على أن النذر مشروع وأن الإنسان يجب عليه الوفاء بنذره إذا كان في طاعة، وأما حديث النهي فيجب تأويله ولا يحمل على ظاهره حتى يتم الجمع بين الأحاديث.

شارك

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *