الجمع بين الأحاديث التي وردت في صيام شعبان

الجمع بين الأحاديث التي وردت في صيام شعبان

الجمع بين الأحاديث التي وردت في صيام شعبان هذا هو عنوان هذا المقال فقد ورد عدد من الأحاديث في الصيام في شهر شعبان ظاهرها يوهم التعارض

الجمع بين الأحاديث التي وردت في صيام شعبان هذا هو عنوان هذا المقال فقد ورد عدد من الأحاديث في الصيام في شهر شعبان ظاهرها يوهم التعارض لكن بالوقوف عليها سيتبين لنا أنه لا تعارض بينها.

الإكثار من الصيام في شعبان

1 – عن عَائِشَة -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا- قَالَتْ: (لَمْ يَكُنِ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَصُومُ شَهْرًا أَكْثَرَ مِنْ شَعْبَانَ، فَإِنَّهُ كَانَ يَصُومُ شَعْبَانَ كُلَّهُ)[البخاري]

ومعنى كله : أي كان يصوم أكثره لأن رسول الله –صلى الله عليه وسلم- لم يصم شهرا كاملا إلا رمضان؛ لأنه قد روي عن عائشة –رضي الله عنها- أنها قالت: (ما صام رسول الله -صلى الله عليه وسلم- شهرا كاملا إلا رمضان)[الترمذي]

ومن أساليب العرب أنهم يطلقون لفظ الكل على الأكثر.

ودليل ذلك رواية مسلم عن عائشة -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا- لما سئلت عَنْ صِيَامِ رَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَتْ: (كَانَ يَصُومُ حَتَّى نَقُولَ: قَدْ صَامَ، وَيُفْطِرُ حَتَّى نَقُولَ: قَدْ أَفْطَرَ،وَلَمْ أَرَهُ صَائِمًا مِنْ شَهْرٍ قَطُّ، أَكْثَرَ مِنْ صِيَامِهِ مِنْ شَعْبَانَ، كَانَ يَصُومُ شَعْبَانَ كُلَّهُ، كَانَ يَصُومُ شَعْبَانَ إِلَّا قَلِيلًا).

إذا يتبين لنا من هذه الأحاديث أن لفظ الكل الذي ورد في بعض الأحاديث يفيد الأكثرية وهذا ما كان يفعله رسول الله –صلى الله عليه وسلم- فإنه كان يكثر من الصيام في شعبان أكثر من صيامه في أي شهر آخر إلا رمضان فإنه كان يصومه كله كاملا.

الصيام قبل رمضان بيوم أو يومين

2 – عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (لاَ يَتَقَدَّمَنَّ أَحَدُكُمْ رَمَضَانَ بِصَوْمِ يَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ، إِلَّا أَنْ يَكُونَ رَجُلٌ كَانَ يَصُومُ صَوْمَهُ، فَلْيَصُمْ ذَلِكَ اليَوْمَ)[البخاري]

يكره أن يصوم المرء من آخر شعبان يوماً أو يومين، وعلته أن الرجل ينبغي له أن يستريح من الصوم ليحصل له قوة ونشاط، كيلا يثقل عليه دخول رمضان. وقيل: علتها لئلا يختلط صوم النفل بصوم الفرض…

صيام يوم الشك

3 – وعَنْ صِلَةَ قَالَ: كُنَّا عِنْدَ عَمَّارٍ فِي الْيَوْمِ الَّذِي يُشَكُّ فِيهِ، فَأَتَى بِشَاةٍ فَتَنَحَّى بَعْضُ الْقَوْمِ، فَقَالَ عَمَّارٌ: (مَنْ صَامَ هَذَا الْيَوْمَ، فَقَدْ عَصَى أَبَا الْقَاسِمِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ)[أبو داود]

إنّما فَعَلَهُ النّبيُّ -صلّى الله عليه وسلم- احترازًا ممّا فعله أهل الكتاب؛ لأنّهم كانوا يزيدون في صومهم على ما فرضَ اللهُ عليهم أوَّلًا وآخِرًا، حتّى بدَّلُوا العبادةَ، فلهذا لا يجوز استقبال رمضان ولا توديعه بزيادة عليه.

النهي عن صيام النصف الثاني من شعبان

4 -عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ –رضي الله عنه- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (إِذَا انْتَصَفَ شَعْبَانُ، فَلَا تَصُومُوا)

فَقَالَ الْعَلَاءُ: اللَّهُمَّ إِنَّ أَبِي، حَدَّثَنِي، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِذَلِكَ. قَالَ أَبُو دَاوُدَ: “َلَمْ يَجِئْ بِهِ غَيْرُ الْعَلَاءِ، عَنْ أَبِيهِ». ]أبو داود[

معنى إذا انتصف شعبان فلا تصوموا  العلماء أمام حديث النهي عن صيام النصف الثاني على ثلاثة مذاهب:
1 – فريق ضعف هذا الحديث، وضعف هذا الحديث ليس لضعف العلاء بن عبد الرحمن فالرجل ثقة وقد روى له الإمام مسلم وغيره ممن التزم الصحة في كتابه.

والبعض نزل بدرجته عن درجة الثقة فقال الذهبي في السير: “لاَ يَنْزِلُ حَدِيْثُه عَنْ دَرَجَةِ الحَسَنِ، لَكِنْ يُتَجَنَّبُ مَا أُنْكِرَ عَلَيْهِ”.

لكنهم أنكروا عليه هذا الحديث لأنه انفرد بروايته عن أبيه عن أبي هريرة وخالفه الثقات برواية أحاديث أخرى تعارضه عن غير أبي هريرة، فقد قَالَ أَحْمد والْعَلَاء: “لَا يُنكر من
حَدِيثه إلاَّ هَذَا”.

والمنكر له تقسيمان ذكرها السيوطي في تدريب الراوي في شرحه على تقريب النواوي:

من أحد قسميه أنه بمعنى الشاذ، والشاذ معناه: ما رواه الثقة مخالفا به الرواة الثقات. فهذا المتن الذي رواه العلاء بن عبد الرحمن مخالف لأحاديث صحيحة رواها الثقات.

وعليه فلا تعارض لأن الحديث الضعيف لا يحتج به ولا اعتبار له طالما أنه يوجد حديث صحيح يخالفه، وعليه يجوز الصيام تطوعا بعد النصف من شعبان ولا كراهة في ذلك.

2 – أما الفريق الثاني فقد صحح هذا الحديث منهم ابْن حبَان وَابْن حزم وَابْن عبد الْبر والبيهقي، وجمعوا بين هذه الأحاديث التي تجيز الصيام في كل شعبان إلا آخر يوم أو يومين، وبين هذا الحديث الذي يقول بكراهة الصيام بعد منتصف شعبان، فقال البيهقي: “على تقدير صحته على ما يضعفه الصوم، وإن لم يضعفه فلا”.
والمعنى أنه إذا لم يؤد صيام النصف الثاني من شعبان لإضعاف الإنسان عن صيام رمضان فلا كراهة في ذلك.

ومنهم من وجه النهي في الحديث بأنه مقصود به من لم يكن يصوم من أول شعبان شيئًا قبل انتصافه، وأما من صام من أوله أو صامه كله فإنه لا نهي بالنسبة له كما يرشد إليه صيامه -صلى الله عليه وسلم- حيث كان يصوم شعبان إلا قليلا، وكما يرشد إليه حديث النهي عن الصوم قبل رمضان بيوم أو يومين.

3 – أما الفريق الثالث فيرى أن الحديث منسوخ؛ لأن أبا هريرة الذي روى عنه العلاء بن عبد الرحمن حديث : (إذا انتصف شعبان فلا تصوموا) ثبت أنه كَانَ أَبُو هُرَيْرَة يَصُوم فِي النّصْف الثَّانِي من شعْبَان، وفعله يدل على أَن مَا رَوَاهُ مَنْسُوخ.

وبهذا يتبين أنه لا تعارض بين الأحاديث التي وردت في صيام شهر شعبان.

شارك

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *