أنواع المؤلفات الحديثية في القرن الثالث الهجري

أنواع المؤلفات الحديثية في القرن الثالث الهجري

نشطت حركة التأليف في القرن الثالث عما كانت عليه قبل ذلك فتفنن العلماء في أنواع التآليف

نشطت حركة التأليف في القرن الثالث عما كانت عليه قبل ذلك فتفنن العلماء في أنواع التآليف حتى جمعوا أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم- بصور مختلفة عما كانت عليه قبل ذلك.

طبيعة المؤلفات قبل القرن الثالث

كانت التآليف قبل القرن الثالث ممزوجا فيها أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم- بأقوال الصحابة والتابعين، فلما جاء القرن الثالث أفردوا أحاديث النبي -صلى الله عليه وسلم- دون أن تختلط بغيرها، وتعددت أنواع التآليف منها:

المسانيد

ظهرت المسانيد، بمعنى أن يذكر مؤلف المسند كل صحابي على حدة، ويجمع تحته كل ما رواه هذا الصحابي دون ترتيب لهذه الأحاديث على الأبواب، فتجد حديثا في الطلا ق بجانب حديث في العقائد بجانب آخر في الزهد والرقائق.

الجمع للأحاديث على ترتيب الأبواب

ظهر نوع آخر من التأليف وهو جمع الأحاديث على الأبواب، فيذكر تحت كل باب ما يناسبه من الأحاديث وهذا النوع من التأليف وإن قد سبق إليه مالك وغيره إلا أن ما يميز هذا هو الاقتصار على جمع
الصحيح من أحاديث النبي
صلى الله عليه وسلم- غير مختلطة بأقوال الصحابة والتابعين، حتى كان هذا القرن بحق هو العصر الذهبي لجمع سنة النبي صلى الله عليه وسلم-.

قول الإمام ابن حجر في أنواع التآليف

قال الحافظ ابن حجر: رأى بعض الأئمة.. . أن يفرد حديث النبي -صلى الله عليه و سلم- خاصة، وذلك على رأس المائتين فصنف عبيد الله بن موسى العبسي الكوفي مسندا، وصنف مسدد بن مسرهد البصري مسندا، وصنف أسد بن موسى الأموي مسندا، وصنف نعيم بن حماد الخزاعي نزيل مصر مسندا.

ثم اقتفى الأئمة بعد ذلك أثرهم، فقل إمام من الحفاظ إلا وصنف حديثه على المسانيد، كالإمام أحمد بن حنبل، وإسحاق بن راهويه، وعثمان بن أبي شيبة، وغيرهم من النبلاء.

ومنهم من صنف على الأبواب وعلى المسانيد معا كأبي بكر بن أبي شيبة، فلما رأي البخاري -رضي الله عنه- هذه التصانيف ورواها وانتشق رياها واستجلى محياها وجدها بحسب الوضع جامعة بين ما يدخل تحت التصحيح والتحسين والكثير منها يشمله التضعيف فلا يقال لغثه سمين فحرك همته لجمع الحديث الصحيح الذي لا يرتاب فيه أمين،

وقوَّى عزمه على ذلك ما سمعه من أستاذه أمير المؤمنين في الحديث والفقه إسحاق بن إبراهيم الحنظلي المعروف بابن راهويه…. قال أبو عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري: كنا عند إسحاق بن راهويه فقال: لو جمعتم
كتابا مختصرا لصحيح سنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: فوقع ذلك في قلبي، فأخذت في جمع الجامع الصحيح… .

وقال البخاري: رأيت النبي -صلى الله عليه وسلم- وكأنني واقف بين يديه وبيدي مروحة أذب بها عنه، فسألت بعض المعبرين فقال لي: أنت تذب عنه الكذب فهو الذي حملني على إخراج الجامع الصحيح. ]هدي الساري مقدمة فتح الباري بشرح صحيح البخاري 9[

ثم صنع الإمام مسلم مثل صنيع البخاري، قال السيوطي: ثم تلا البخاري في تصنيف الصحيح مسلمُ بن الحجاج تلميذه. ]تدريب الراوي في شرح تقريب النواوي 1 / 98[

ثم جاء بعد ذلك أبو داود والترمذي والنَّسَائِي وابن ماجه فألفوا السنن. ]ينظر الرسالة المستطرفة لبيان مشهور كتب السنة المطهرة 17[

ظهور كثير من أنواع المؤلفات في القرن الثالث

الملاحظ أن هذا العصر ظهرت فيه أنواع مختلفة من التآليف، منها المسانيد والجوامع والسنن، وهذه المسميات لكل منها مغزى ومعنى تدل عليه.

المسانيد

هي الكتب التي موضوعها إفراد حديث كل صحابي على حدة، صحيحا أو حسنا أو ضعيفا مرتبين على حروف الهجاء في أسماء الصحابة كما فعله غير واحد وهو أسهل تناولا، أو على القبائل، أو السابقة في
الإسلام، أو الشرافة النسبية، أو غير ذلك، 
وقد يقتصر في بعضها على أحاديث صحابي واحد، كمسند أبي بكر، أو أحاديث جماعة منهم، كمسند الأربعة أو العشرة، أو طائفة مخصوصة، جمعها وصف واحد، كمسند المقلين، ومسند الصحابة الذين نزلوا مصر، إلى غير ذلك. ]الرسالة المستطرفة لبيان مشهور كتب السنة المشرفة 54[

الجامع

هو المصدر المشتمل على جميع أنواع الحديث المحتاج إليها والتي اصطلح العلماء على أنها ثمانية، ويدخل فيها ما كان في معناها، ويجمعها قولنا “عارف شامت” حيث يمثل كل حرف نوعا منها وسواء أكانت هذه المصادر مرتبة على الكتب والأبواب الفقهية أم مرتبة على حروف المعجم،

والأنواع الثمانية هي:
العقائد، والأحكام، والرقاق، والفتن، والشمائل، وآداب الأكل والشرب والسفر وغيرها، والمناقب والمثالب، والتفسير والتاريخ والمغازي والسير
. ]ينظر كشف اللثام عن أسرار تخريج أحاديث سيد الأنام 1 / 161[

السنن

هي الكتب المرتبة على الأبواب الفقهية من الإيمان والطهارة والصلاة والزكاة إلى آخرها، وليس فيها شيء من الموقوف؛ لأن الموقوف لا يسمى في اصطلاحهم سنة ويسمى حديثا، وهي تشتمل على أنواع من الحديث المذكورة في صفة الجامع،

فإن اشتملت على جميع أنواع الحديث جاز إطلاق لفظ “السنن” عليها باعتبار خلوها من الأحاديث الموقوفة أو تكاد، كما يجوز إطلاق لفظ الجامع عليها باعتبار شمولها على جميع أنواع الحديث التي لابد منها في صفة الجامع، لكن لا يشترط عدم وجود الموقوف فيه أو قلته. ]الرسالة المستطرفة لبيان مشهور كتب السنة المطهرة 33،  كشف اللثام عن أسرار تخريج أحاديث سيد الأنام 160[

وبهذا يتضح لنا أن القرن الثالث كان العصر الذهبي في المؤلفات الحديثية حيث ظهر الكثير من أنواع المؤلفات التي لم تكن قد ظهرت من قبل وهذا يعد نوعا من التطور في التأليف.

شارك

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *