من المولد للبعثة
ولد رسول الله في اليوم الثاني عشر من شهر ربيع الأول في عام الفيل الموافق سنة 570 من ميلاد المسيح.
كانت ولادة النبي صلى الله عليه سلم في دار أبي طالب بشعب بني هاشم.
كانت قابلة النبي التي باشرت ولادته هي الشفاء أم عبد الرحمن بن عوف.
الذي سمى رسول الله محمدا هو جده عبد المطلب ولم يهذا الاسم منتشرا عند العرب ولم يتسم به إلا العدد القليل.
لما سئل عبد المطلب عن سبب تسميته لحفيده بهذا الاسم قال: أردت أن يحمده الله في السماء ويحمده أهل الأرض.
ذبح عبد المطلب الذبائح وأقام الولائم، ولما أخبرت ثويبة الأسلمية أبا لهب بميلاد محمد وهي جارية أبي لهب أعتقها.
من الإرهاصات التي صاحبت ميلاد النبي صلى الله عليه وسلم ارتجاس إيوان كسرى وسقوط أربع عشرة شرفة منه، وغاضت بحيرة ساوه، وخمدت نيران فارس التي انوا يعبدونها والتي لم تخمد منذ ألف عام.
للنبي أسماء كثيرة منها محمد وأحمد والماحي والحاشر والعاقب، قال النبي صلى الله عليه وسلم: («لي خمسة أسماء: أنا محمد، وأنا أحمد، وأنا الماحي الذي يمحو الله بي الكفر، وأنا الحاشر الذي يحشر الناس على قدمي، وأنا العاقب)البخاري
ومن أسمائه في القرآن فقد سماه الله بخمسة أسماء في آيتين في قول الله: (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْناكَ شاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً وَداعِياً إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِراجاً مُنِيراً)
لم يكن اسم محمد مشهورا في الجاهلية وإنما تسمى به قرب ميلاد النبي عدد بسبب ما سمعوه من الأحبار والرهبان من أنه سيبعث في آخر الزمان نبي يسمى بمحمد، وهم ستة.
محمد اسم مفعول من التحميد للمبالغة ونسبة لكثرة ما يحمده الناس عليه بسبب ما اشتمل عليه من الفضائل فلا يزال أجيال من الناس يحمدونه جيلا بعد حيل، ويحمدونه في المحشر عندما يشفع ويريح الناس من هول الموقف، وأما أحمد فهو أفعل تفضيل فهو أكثر الناس حمدا لله، فإن الأنبياء جميعا كثيرو الحمد لله فهو أكثرهم حمدا لربه وقد بلغ الغاية في ذلك.
محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرّة، بن كعب ابن لؤي، بن غالب، بن فهر بن مالك، بن النضر ابن كنانة، بن خزيمة، بن مدركة، بن إلياس بن مضر ابن نزار بن معدّ بن عدنان.
وهذا النسب الزكي المتفق عليه بين علماء الأنساب إلى عدنان، واتفقوا على أن عدنان ينتهي نسبه إلى إسماعيل بن إبراهيم -عليهما السلام- فهو جد النبي الأعلى.
أول من أرضع رسول الله هي أمه آمنة بنت وهب أرضعته ثلاثة أيام وقيل سبعا.
أرضعت ثويبة رسول الله وكانت جارية لأبي لهب عم النبي وذلك قبل قدوم حليمة، فلما قدمت حليمة السعدية أخذت رسول الله معها إلى البادية لإرضاعه على عادة العرب في التماس المرضعات لأبنائهم من البادية.
كان من إخوة النبي من الرضاعة حمزة بن عبد المطلب عمه، وابن عمته أبو سلمة، حيث أرضعتهم جميعا ثويبة جارية أبي لهب.
قدم على النبي أبويه من الرضاعة بعد أن أكرمه بالنبوة فأكرمهما ووصلهما وبسط لهما رداءه.
لما وقعت الشيماء في سبي هوازن فعرفها النبي وقال لها: إن أحببت أن تكوني عندي مكرمة محببة وإن أحببت أن أمتعك وأردك إلى قومك فعلت، فقالت: بل تمتعني وتردني إلى قومي فوصلها وأكرمهما وردها لقومها.
خرج النبي يلعب مع الصبيان فجاءه رجلان فأخذاه فشقا صدره فأخرجا منه علقة هي حظ الشيطان منه، فخرج الصبية إلى أمه يخبرونها بما حدث لمحمد فأقبلوا نحوه فوجدوه ممتقع اللون.
كان من الممكن أن يخرج الله العلقة التي حظ الشيطان من النبي دون أن يكون هناك هذا التصوير الحسي لكن لو حدث هذا لما عرف الله ما أكرم الله به نبيه، لكن بتلك الصورة الحسية كأن الله يطلع الخلق على تلك المكانة العالية والشرف الرفيع الذي جعله الله لنبيه صلى الله عليه وسلم.
خاتم النبوة الذي ولد النبي صلى الله عليه وسلم به والذي جاء وصفه في التوراة هو عبارة عن قطعة لحم ناتئة عليها شعر عند كتفه الأيسر.
أول من تكفل بالنبي صلى الله عليه وسلم أمه لما عادت حليمة السعدية بعد حاددثة شق الصدر وكانت قد خافت عليه أتت به إلى أمه وكان في سن الخامسة من عمره، فعاش في رعاية أمه.
لما بلغ رسول الله السادسة من عمره خرجت به أمه لأخوال جده عبد المطلب بالمدينة من بني النجار ولزيارة قبر أبيه عبد الله الذي دفن بالمدينة، وكان معهم أم أيمن بركة الحبشية جارية أبيه.
لما قضى رسول الله زيارة أخوال جده بالمدينة وزارا قبر أبيه توجها للرجوع إلى مكة وأثناء الطريق أصيبت أمه بالحمى ودفنت بقرية تسمى بالأبواء.
بعد موت أم النبي صلى الله عليه وسلم انتقلت كفالته لجده عبد المطلب وهو في سن السادسة من عمره، وكان يقربه منه ويدنيه ولا يأكل طعاما إلا بحضور محمد، فلما حضرت الوفاة أبا طالب أوصى ولده عبد الله بابن أخيه، ثم مات جده وهو في الثامنة من عمره.
كانت حاضنة النبي بعد موت أمه هي أم أيمن، وكان رسول الله يذكر لها هذا الفضل بعد ذلك فيقول: هي أمي بعد أمي.
تكفل أبو طالب بالنبي بعد موت عبد المطلب وذلك لأن أبا طالب هو شقيق عبد الله والد النبي من أبيه وأمه.
لقد رعى النبي صلى الله عليه وسلم الأغنام وهو صغير من أجل اكتساب الرزق وكان رسول الله يقول: (ما من نبي إلا وقد رعى الغنم) فقال أصحابه: وانت يا رسول الله؟ فقال: (نعم كنت أرعاها على قراريط لأهل مكة).
لعل من حكم رعي الأنبياء الأغنام هو التمرن والتعود على رعي الأمم، والقيام على شئونها، لأنفي هذا الرعي ما يعود على الشفقة والرحمة وطول البال والصبر.
لما بلغ النبي صلى الله عليه وسلم الثانية عشرة من عمره خرج في تجارة للشام مع عمه فلما نزلا بصرى هناك لقيه راهب يسمى بحيرى وكان من علماء أهل الكتاب فلما كلم رسول الله علم أنه المبشر به في اتلوراة فأمر عمه أن يرجع به سريعا إلى مكة لئلا يراه اليهود فيناله منهم أذى.
شهد النبي حرب الفجار وكان سنه أربعة عشر عاما، وكانت بين قريش وغيرها من قبائل كنانة واحلافها، وبين قيس وأحلافها.
كان سبب حرب الفجار أن النعمان بن المنذر ملك الحيرة أراد أن يبعث بتجارة لسوق عجاظ لكنه أراد من يجير له تجارته وكان عنده البراض بن قيس فقال له أنا أجيرها، وكان عروة بن عتبة جالسا فقال أكلب خليع خلعه قومه يجيرها لك أنا أجيرها لك، فأعطى النعمان ذلك لعروة فأسرها البراض في نفسه فتربص بعروة فتله وأخذ مال التجارة، فلما بلغ الخبر قريش بعكاظ خرجوا فلما بلغ الخبر هوازن خرجوا خلفهم حتى أدركوهم قبل أن يدخلوا الحرم فاقتتلوا حتى لاذت قريش بالحرم فاحتمت به، فواعدوهم بالقتال من العام المقبل واستمرت الحرب أربع سنوات حت ألهم الله عقلاءهم فتم الصلح بعد أن أنهكتهم الحرب.
كان حلف الفضول بعد حرب الفجار بأربعة أشهر، وكان سبب هذا الحلف أن رجلا من قبيلة زبيد باليمن قدم مكة ببضاعة له فاشتراها من العاص بن وائل وأبى أن يعطيه حقه، فاستعدي الزبيدي أحلافه عليه فلم يعينوه ونهروه فصعد الرجل على جبل أبي قبيس يشكوا للناس ظلامته، فسمعته قريش وهم في أنديتهم، فقام الزبير بن عبد المطلب وقال: ما لهذا مترك فاجتمعت بنو هاشم وبنو زهرة وبنو تميم في دار عبد الله بن جدعان واتفقوا على ألا يتركوا مظلوما حتى يأخذوا له حقه من ظالمه، ثم ذهبوا للعاص وانتزعوا منه حق الزبيدي وأعطوه له، وقد مدح هذا الحلف بعد النبوة فقال: (لقد شهدت بدار عبد الله بن جدعان حلفا ما أحبّ أن لي به حمر النّعم، ولو دعيت لمثله في الإسلام لأجبت)
كانت خديجة رضي الله عنها سيدة أعمال لها تجارتها التي تسيرها للشام وتستأجر الرجال ليقوموا على أمر تلك التجارة.
خرج النبي بتجارة لخديجة إلى الشام وهو في سن الخامسة والعشرين من عمره.
لما خرج ميسرة وهو غلام خديجة مع النبي إلى الشام من أجل التجارة لخديجة في مالها كان أول ما نزلوا أن نزلوا إلى بصرى وقيل تهامة فنزل النبي تحت شجرة وكان هناك راهب يسمى نسطور فسأل ميسرة عن هذا الرجل الذي نزل تحت تلك الشجرة فقال له رجل من اهل الحرم، فقال له: ما نزل تحت هذه الشجرة إلا نبي، ورأى ميسرة أن الغمام كان يظلل النبي صلى الله عليه وسلم.
كان عمر النبي لما تزوج بخديجة خمسا وعشرين عاما، وكان عمر خديجة أربعين عاما.
لقد رزق الله نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم من خديجة البنين والبنات، فكان من الولاد القاسم وكان يكنى رسول الله به، وكان من الأبناء عبد الله وقد كات الذكور صغارا، وكان من البنات زينب وهي الكبرى ورقية وأم كلثوم وفاطمة رضي الله عنهن أجمعين.
لقد مات أبناء النبي جميعا في حياته إلا فاطمة فهي التي تأخر موتها بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم فتوفيت بعد موت أبيها بستة أشهر.
لقد أصاب الكعبة سيل عارم صدع بنيان الكعبة فأرادت قريش أن تهدم البيت وتعيد بناءه من جديد واتفقوا على ألا يدخلوا في بنائها مالا من ربا، ولا يدخلون فيها إلا كسبا طيبا.
لقد شارك النبي أعمامه في بناء الكعبة وكان عمر النبي في هذا الوقت خمسا وثلاثين عاما.
اختلفت القبائل في من يضع الحجر الأسود في مكانه فكل قبيلة تريد أن يكون هذا الشرف لها، حتى كادت أن تقوم الحرب بينهم واستمروا على ذلك أربع ليال، ثم ألهم الله أبا أمية بن المغيرة وكان كبير السن وأحد عقلائهم بأن يقول لهم يا معشر قريش حكموا فيكم أول داخل عليكم الحرم فرضوا بذلك فكان أول داخل عليهم هو النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا : هذا الأمين رضيناه هذا محمد.
كان رأي النبي صلى الله عليه وسلم لحل مشكلة الحجر الأسود أن وضع ثوبه وأمر كل قبيلة أن تأخذ بطرف الثوب ويرفعوه ثم يأخذه رسول الله منهم فيضعه في موضعه، ورفع الله بالنبي عن قريش شرا كبيرا.
زينب ابنة النبي صلى الله عليه وسلم تزوجها أبو العاص بن الربيع وكان ابن أخت خديجة، وأما رقية وأم كلثوم فقد خطباها ابنا أبي لهب عتبة وعتيبة، لكن لما بعث النبي صلى الله عليه وسلم أمر أبو لهب ولديه بطلاقهما فاستجابا لوالدهما، ليشغل بال النبي، لكن أبا العاص لما كلمته قريش في طلاق زينب لم يرض وكان كريما معها، واما فاطمة فكانت صغيرة في هذا الوقت.
كان النبي قد تبنى زيد بن حارثة في الجاهلية بل البعثة وكان زيد مع أمه وهو غلام صغير فأغار عليهما جماعة من الأعراب فباعوه لحكيم بن حزام ثم أهداه بعد ذلك لعمته خديجة، بعد زواجها من النبي، ثم وهبته خديجة للنبي وكان يسمى بزيد بن محمد.
كان رسول الله يتعبد في غار حراء وهو في جبل في أعلى مكة على ثلاثة أميال منها، وكان قد خبب إليه الخلاء قبل البعثة فكان يتعبد فيه الليالي ذوات العدد