فضائل عشر ذي الحجة وسنن المضحي

فضائل عشر ذي الحجة وسنن المضحي

فضائل عشر ذي الحجة وسنن المضحي كثيرة فإن هذا الزمان من الأزمنة الفاضلة التي عظم الله فيها أجر العمل الصالح.

فضائل عشر ذي الحجة وسنن المضحي كثيرة فإن هذا الزمان من الأزمنة الفاضلة التي عظم الله فيها أجر العمل الصالح.

عظم الأجر في العشر من ذي الحجة

أفضل ما يتقرب به الإنسان إلى الله تعالى هو ما افترضه الله عز جل عليه، وهذا مقدار يتساوى الناس جميعا فيه، فكان من فضل الله أن فتح لعباده باب الفضائل والمستحبات ليستزيد العباد منها؛ ليزدادو قربا من الله، وهذه الفرائض والفضائل تزداد فضيلتها في عشر ذي الحجة لفضيلة هذا الزمان.

فضيلة الأيام العشر من ذي الحجة

مما يبين لنا فضيلة الأيام العشر هو أن الله أقسم بها ، ولله تعالى أن يقسم بما شاء مما خلق أما المخلوق فلا يقسم إلا بالله الذي خلق، والله تعالى لا يقسم بشيء إلا إذا كان عظيما، وقسم الله قد يشتمل
على فائدة إيمانية تلفت الأنظار إلى وجود الله وقدرته، وقد يشتمل هذا القسم على فائدة دنيوية تلفت الأنظار إلى عظمة ما خلقه الله للعباد ليقدموا الشكر عليه.

في سورة الفجر نجد أن الله بدأها بالقسم فقال: (وَالْفَجْرِ وَلَيَالٍ عَشْرٍ وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْرِ هَلْ فِي ذَلِكَ قَسَمٌ لِذِي حِجْرٍ).

فأقسم الله أولا بالفجر: وهذا قد يكون المقصود به هنا هو ضوء النهار الذي يكون معه سعي الناس وانتشارهم لطلب الأرزاق، وهذا تحصل به منافع الدنيا، فقد أقسم الله بما يدل على ضوء النهار في أكثر من موضع فقال: (والصبح إذا تنفس). وقال: (والصبح إذا أسفر). وقال: (الضحى). وقال: (والنهار إذا تجلى).

وقد يكون المراد بالفجر صلاة الفجر فأقسم الله بهذه الصلاة؛ لأنها صلاة تشهدها الملائكة فقال الله: (إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا). كما أقسم الله بالعصر لأنها أيضا صلاة تشهدها الملائكة،
فالملائكة يتناوبون النزول ويجتمعون في صلاتي الفجر وصلاة العصر. 

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: ( يَتَعَاقَبُونَ فِيكُمْ مَلاَئِكَةٌ بِاللَّيْلِ وَمَلاَئِكَةٌ بِالنَّهَارِ، وَيَجْتَمِعُونَ فِي صَلاَةِ الفَجْرِ وَصَلاَةِ العَصْرِ، ثُمَّ يَعْرُجُ الَّذِينَ بَاتُوا فِيكُمْ، فَيَسْأَلُهُمْ وَهُوَ أَعْلَمُ بِهِمْ: كَيْفَ تَرَكْتُمْ عِبَادِي؟ فَيَقُولُونَ: تَرَكْنَاهُمْ وَهُمْ يُصَلُّونَ، وَأَتَيْنَاهُمْ وَهُمْ يُصَلُّونَ) ]البخاري[

ولا مانع أن يراد المعنيان فليس هناك بينهما تعارض واللفظ يحتملهما.

وأما قول الله: (وَلَيَالٍ عَشْرٍ).
فهي أيام العشر الأول من ذي الحجة لأن فيها
ركنا من أعظم أركان  الإسلام وهو الحج، وهي أيام يعلوا فيها صوت الحجيج بالتلبية، ويقصدون فيها بيت الله الحرام ليؤدوا مناسك الحج عنده.

وأما قول الله: (وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ) قد يكون المقصود هنا هو كل ما خلق الله من شفع ووتر، وقد يكون المراد بالشفع يوم النحر لأنه يكون في اليوم العاشر، والوتر يوم عرفة؛ لأنه يكون في اليوم التاسع، وأقسم الله بهما لشرفهما، فيوم عرفة فيه الوقوف بعرفة وهو أعظم أركان الحج، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (الحج عرفة)]الترمذي[.

ويوم النحر يكون فيه أكثر أعمال الحج من الطواف المفروض والحلق والرمي ونحر الهدي فقد قال الله عنه: (وَأَذَانٌ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ)، وقال النبي صلى الله عليه وسلم- عن يوم النحر: (هَذَا يَوْمُ الحَجِّ الأَكْبَرِ)]البخاري[.

وأما قول الله: (وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْرِ) أي يمضي وينقضي حيث قال الله في موضع آخر: (وَاللَّيْلِ إِذْ أَدْبَرَ). فانقضاء الليل إنما هو من نعم الله على العباد لأن بانقضاء الليل ينتشر العباد في الأرض ويسعون
لطلب الأرزاق.

ثم قال الله تعالى: (هَلْ فِي ذَلِكَ قَسَمٌ لِذِي حِجْرٍ) أليس فيما أقسم الله به لكل من كان له عقل دلالة على توحيد الله وربوبيته، ودلالة على فخامة قدر هذه الأشياء التي أقسم الله بها والتي تستوجب منا أن نشكر الله عليها.

فضيلة العمل الصالح في أيام العشر

عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (مَا مِنْ أَيَّامٍ الْعَمَلُ الصَّالِحُ فِيهَا أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنْ هَذِهِ الْأَيَّامِ» يَعْنِي أَيَّامَ الْعَشْرِ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَلَا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ؟ قَالَ: «وَلَا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، إِلَّا رَجُلٌ خَرَجَ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ، فَلَمْ يَرْجِعْ مِنْ ذَلِكَ بِشَيْءٍ)]أبو داود[

هذا الحديث يبين لنا أن الأعمال الصالحة في هذه الأيام العشر الأول من ذي الحجة أفضل من العمل في بقية أيام العام، وذلك لفضيلة هذا الزمان عند الله، حتى استوضح الصحابة من رسول الله صلى الله عليه وسلم- فقالوا : ولا الجهاد. 

فأخبرهم أن الجهاد في غير هذه الأيام لا يعدل العمل الصالح في هذه الأيام لكن استثنى حالة واحدة من الأعمال هي التي تفضل العمل الصالح في هذه الأيام وهي صورة رجل خرج مجاهد بنفسه وماله فلم يرجع من ذلك بشيء أي صار شهيدا.

الأعمال الصالحة من أيام العشر من ذي الحجة 

من الأعمال الصالحة التي يتقرب بها االإنسان إلى الله في هذه الأيام أن يكثر من قول : لا إله إلا الله، والله أكبر والحمد لله.

عن ابن عمر، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (ما من أيام أعظم عند الله، ولا أحب إليه من العمل فيهن من هذه الأيام العشر، فأكثروا فيهن من التهليل، والتكبير، والتحميد)]أحمد[.

ومن الأعمال الصالحة التي يتقرب بها العبد إلى الله في هذه الأيام صيام التطوع.

فعَنْ بَعْضِ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ  -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ يَصُومُ تِسْعًا مِنْ ذِي الْحِجَّةِ، وَيَوْمَ عَاشُورَاءَ، وَثَلَاثَةَ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ، أَوَّلَ اثْنَيْنِ مِنَ الشَّهْرِ وَخَمِيسَيْنِ)]النسائي[

وهنا ينبغي أن نعلم أن عموم الحديث يبين لنا أن العمل الصالح في هذه الأيام أفضل من العمل في غيرها لكن يستثنى الصيام من الأعمال الصالحة فهناك زمان يكون صيام التطوع فيه أفضل من الصيام
في أيام العشر وهو شهر الله المحرم، وهذا الاستثناء ثابت بنص حديث النبي -صلى الله عليه وسلم- حيث قال: (أَفْضَلُ الصِّيَامِ، بَعْدَ رَمَضَانَ، شَهْرُ اللهِ الْمُحَرَّمُ)
]مسلم[

كذلك العمل الصالح في الأيام العشر يكون مفضلا على العمل في غير هذه الأيام لكن يستثنى الصيام من اليوم العاشر وهو يوم النحر لأنه لا يجوز الصيام فيه، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-: (أَنَّ
رَسُولَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نَهَى عَنْ صِيَامِ يَوْمَيْنِ يَوْمِ الْأَضْحَى، وَيَوْمِ الْفِطْرِ
)
]مسلم[

الواجبات وفضائل الأعمال في عشر ذي الحجة

التفضيل الوارد لفرائض عشر ذي الحجة على فرائض سائر العام، ونوافل العشر من ذي الحجة  أفضل من نوافل سائر العام لفضيلة هذا الزمان،  أما نوافل العشر فليست أفضل من فرائض غيره، لأن الفرض هي أفضل ما يتقرب به العبد إلى الله، فأداء السنن لا ينفع شيئا إذا تركنا الفرائض، فالصلوات المسنونة لا تنفع صاحبها إلا إذا أتى بالفرائض أولا.

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (إِنَّ اللَّهَ قَالَ: مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالحَرْبِ، وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ)[البخاري]

تفاوت درجات الأعمال

تتفاوت درجات الأعمال بحسب الظروف والأحوال التي تحيط بها فما يكون فاضلا من الأعمال بالنسبة لشخص قد يكون مفضولا بالنسبة لآخر.

فمثلا قد يكون لواحد من الناس والدان شيخان كبيران لا يقويان على القيام على أمرهما، وليس هناك من يقوم ببرهما غيره، وهناك باب الجهاد لكن هناك عدد وفير من المجاهدين، فالأولى لهذا الإنسان أن يقوم بواجب البر لوالديه أفضل من أن يخرج مجاهدا.

عن عبد الله بن عمرو قال: جاء رجل إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- يستأذنه في الجهاد، فقال: (ألك والدان؟) قال: نعم، قال: (ففيهما فجاهد)]البخاري[.

ووما يقدم العمل على غيره درجة الإخلاص فيه، والتضحية والمشقة في أدائه، فقد يسبق درهم مائة ألف درهم، وذلك إذا كان المرء لا يملك إلا درهمين فإذا تصدق بأحدهما يكون بذلك قد تصدق بنصف ما يملك ، والآخر كان يملك الكثير من الملايين فتصدق بمائة ألف فهذا المال الذي أنفقه لا يساوي شيئا بجانب ما يملك من المال.

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (سَبَقَ دِرْهَمٌ مِائَةَ أَلْفِ دِرْهَمٍ) قَالُوا: وَكَيْفَ؟ قَالَ: (كَانَ لِرَجُلٍ دِرْهَمَانِ تَصَدَّقَ بِأَحَدِهِمَا، وَانْطَلَقَ رَجُلٌ إِلَى عُرْضِ مَالِهِ، فَأَخَذَ مِنْهُ مِائَةَ أَلْفِ دِرْهَمٍ فَتَصَدَّقَ بِهَا)]النسائي[

سنن المضحي في أيام العشر

يسن للمضحي في أيام العشر الأول من ذي الحجة ألا يقص شعره ولا أظافره إذا دخلت الأيام العشر.

عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ رضي الله عنها- أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (إِذَا دَخَلَتِ الْعَشْرُ، وَأَرَادَ أَحَدُكُمْ أَنْ يُضَحِّيَ، فَلَا يَمَسَّ مِنْ شَعَرِهِ وَبَشَرِهِ شَيْئًا)]مسلم[

عشر ذي الحجة وعشر رمضان

أيها أفضل هل الأيام العشر الأول من شهر ذي الحجة أفضل أم الأيام العشر الأواخر من شهر رمضان؟ 

ما اختاره المحققون من العلماء أن نهار الأيام العشر الأول من شهر ذي الحجة أفضل من نهار العشر الأواخر من شهر رمضان؛ لأن فيها يوم عرفة وقد بين النبي -صلى الله عليه وسلم- فضيلة صيامه فقال: (صيام يوم عرفة أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله والسنة التي بعده)[مسلم].

وأما ليالي العشر الأواخر من شهر رمضان فهي أفضل؛ لأن فيها ليلة القدر وهي ليلة خير من ألف شهر كما أخير الله تعالى: (إنا أنزلناه في ليلة القدر وما أدراك ما ليلة القدر ليلة القدر خير من ألف شهر).

شارك

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *