آداب حضور صلاة الجمعة أمور ينبغي على المسلم أن يراعيها حتى لا يقع فيما نهى عنه رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.
النهي التحلق قبل خطبة الجمعة
عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ جَدِّهِ: (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنِ الشِّرَاءِ وَالْبَيْعِ فِي الْمَسْجِدِ ، وَأَنْ تُنْشَدَ فِيهِ ضَالَّةٌ ، وَأَنْ يُنْشَدَ فِيهِ شِعْرٌ ، وَنَهَى عَنِ التَّحَلُّقِ قَبْلَ الصَّلَاةِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ)[أبو داود].
قال الطيبي: ” الحِلَق ، بكسر الحاء وفتح اللام هي: جمع حَلْقَة مثل قَصْعَة وقِصَع ، وهي جماعة من الناس يستديرون كحلقة الباب وغيره “[شرح المشكاة].
قال الإمام الخطابي: ” كان بعض مشايخنا يروونه: أنه نهى عن الحَلْق . بسكون اللام ، وأخبرني أنه بقي أربعين سنة لا يحلق رأسه قبل الصلاة يوم الجمعة، فقلت له: إنما هو الحِلَق جمع الحَلْقة.
وإنما كره الاجتماع قبل الصلاة للعلم والمذاكرة وأمر أن يشتغل بالصلاة وينصت للخطبة والذكر فإذا فرغ منها كان الاجتماع والتحلق بعد ذلك ، فقال: قد فرجت عني، وجزاني خيرًا وكان من الصالحين رحمه الله “[معالم السنن].
الخروج من المسجد بعد الأذان
نهي النبي -صلى الله عليه وسلم- عن الخروج من المسجد بعد الأذان للصلاة وهذا ليس خاصا بالجمعة فقط وإنما يشمل الجمعة وغيرها من الصلوات.
عَنْ أَبِي الشَّعْثَاءِ قَالَ: كُنَّا قُعُودًا فِي الْمَسْجِدِ مَعَ أَبِي هُرَيْرَةَ ، فَأَذَّنَ الْمُؤَذِّنُ ، فَقَامَ رَجُلٌ مِنَ الْمَسْجِدِ يَمْشِي فَأَتْبَعَهُ أَبُو هُرَيْرَةَ بَصَرَهُ حَتَّى خَرَجَ مِنَ الْمَسْجِدِ ، فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: (أَمَّا هَذَا ، فَقَدْ عَصَى أَبَا الْقَاسِمِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ)[مسلم].
قال النووي: ” فيه كراهة الخروج من المسجد بعد الأذان حتى يصلي المكتوبة إلا لعذر “[شرح النووي على مسلم].
إذا دخل المصلي المسجد لا يفرق بين اثنين
عن سَلْمَانُ الفَارِسِيُّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَنِ اغْتَسَلَ يَوْمَ الجُمُعَةِ ، وَتَطَهَّرَ بِمَا اسْتَطَاعَ مِنْ طُهْرٍ ، ثُمَّ ادَّهَنَ أَوْ مَسَّ مِنْ طِيبٍ ، ثُمَّ رَاحَ فَلَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ اثْنَيْنِ ، فَصَلَّى مَا كُتِبَ لَهُ ، ثُمَّ إِذَا خَرَجَ الإِمَامُ أَنْصَتَ ، غُفِرَ لَهُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الجُمُعَةِ الأُخْرَى)[البخاري].
قال ابن الملقن: ” أن لا يتخطى رجلين أو يجلس بينهما على ضيق الموضع “[التوضيح لشرح الجامع الصحيح].
“وقوله: (لا يفرق بين اثنين) يعني: لا يتخطى رقابهما “[شرح صحيح البخاري لابن بطال].
لا يقيم الرجل أخاه من مكانه ليجلس فيه
عن ابْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قال: (نَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُقِيمَ الرَّجُلُ أَخَاهُ مِنْ مَقْعَدِهِ وَيَجْلِسَ فِيهِ) ، قُلْتُ لِنَافِعٍ: الجُمُعَةَ ؟ قَالَ: الجُمُعَةَ وَغَيْرَهَا.[البخاري].
قال ابن الملقن: ” فإنما كره ذلك ؛ لأنه لا يفعل إلا تكبرًا واحتقارًا للمُقَام ، قال تعالى: (نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الأَرْضِ وَلَا فَسَادًا) وهذا من الفساد ، والإيثار ممنوع من الأعمال الأخروية، ولأن المسجد بيت الله ، والناس فيه سواء فمن سبق إلى مكان فهو أحق به”[التوضيح لشرح الجامع الصحيح].
صلاة ركعتين خفيفتين قبل الجلوس
إذا دخل المصلي المسجد والإمام يخطب صلى ركعتين حفيفتين تحية المسجد عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُ النَّاسَ يَوْمَ الجُمُعَةِ فَقَالَ: (أَصَلَّيْتَ يَا فُلاَنُ ؟) قَالَ: لاَ ، قَالَ: (قُمْ فَارْكَعْ رَكْعَتَيْنِ)[البخاري].
وعن جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَخْطُبُ: (إِذَا جَاءَ أَحَدُكُمْ وَالإِمَامُ يَخْطُبُ أَوْ قَدْ خَرَجَ ، فَلْيُصَلِّ رَكْعَتَيْنِ)[البخاري].
قال النووي: ” هذه الأحاديث كلها صريحة في الدلالة لمذهب الشافعي وأحمد وإسحاق وفقهاء المحدثين أنه إذا دخل الجامع يوم الجمعة والإمام يخطب استحب له أن يصلي ركعتين تحية المسجد ، ويكره الجلوس قبل أن يصليهما ، وأنه يستحب أن يتجوز فيهما ليسمع بعدهما الخطبة ، …
قال القاضي: وقال مالك والليث وأبو حنيفة والثوري وجمهور السلف من الصحابة والتابعين: لا يصليهما …
وحجتهم الأمر بالإنصات للإمام ، وتأولوا هذه الأحاديث أنه كان عريانا فأمره النبي -صلى الله عليه وسلم- بالقيام ليراه الناس ويتصدقوا عليه .
وهذا تأويل باطل يرده صريح قوله صلى الله عليه وسلم:(إذا جاء أحدكم يوم الجمعة والإمام يخطب فليركع ركعتين وليتجوز فيهما).
وهذا نص لا يتطرق إليه تأويل ، ولا أظن عالمًا يبلغه هذا اللفظ صحيحًا فيخالفه “[شرح النووي على مسلم].
قال أبو القاسم الرافعي: ” يجوز تأخير الإتيان للجمعة إلى أن يشرع الخطيب في الخطبة ، وإلا لأنكر عليه النبي صلى الله عليه وسلم .
وعلى أنه لا بأس بالحث على الصدقة والسؤال للمحتاجين في الخطبة ، وعلى أن ما يجتمع عنده يفرقه كما يراه .
وعلى أن من رُئي بهيئة رثةٍ تحسن مواساته وإن لم يسأل ، وعلى أن المحتاج لا يندب إلى البذل”[شرح مسند الشافعي].
مما سبق يتضح لنا أن الأولى لمن دخل المسجد والإمام يخطب أن يصلي ركعتين ويتجوز فيها قبل أن يجلس.
الإنصات للخطبة
الإنصات للخطبة وعدم الانشغال بغيرها سبب لغفران ذنوب.
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (مَنْ تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ الْوُضُوءَ، ثُمَّ أَتَى الْجُمُعَةَ ، فَاسْتَمَعَ وَأَنْصَتَ ، غُفِرَ لَهُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجُمُعَةِ ، وَزِيَادَةُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ، وَمَنْ مَسَّ الْحَصَى فَقَدْ لَغَا)[مسلم].
ومعنى مغفرة ما بينه وبين الجمعة الأخرى ” ما بينهما من صلاة الجمعة وخطبتها إلى مثل ذَلِكَ الوقت من الجمعة الأخرى حتَّى تكون سبعة أيام سواء ، وأما الثلاثة الأيام السالفة الزائدة ؛ فلأجل أن الحسنة بعشر أمثالها “[التوضيح لشرح الجامع الصحيح].
وقول النبي -صلى الله عليه وسلم- : فقد لغا. أي ومن مس الحصى بتقليبه والانشغال به يكون قد أتى بما هو مذموم كمن لغا بالكلام.
والحديث فيه دليل على عدم وجوب الغسل فقال ابن رجب: ” وهذا يدل على أن الوضوء كافٍ ، وأن المقتصر عليه غير آثمٍ ولا عاصٍ ، وأما الأمر بالغسل فمحمول على الاستحباب “. [فتح الباري لابن رجب].
والمقصود بمغفرة الذنوب ” أي: غفر له ذنوب عشرة أيام ، أي: الصغائر المتعلقة بحق الله سبحانه المفعولة فيها دون الكبائر فلا تكفر إلا بالتوبة الصحيحة ، أو فضل إلهي ، وحق العباد إذ لا يكفر إلا بإرضاء صاحبه “[دليل الفالحين لطرق رياض الصالحين].
عن أبي هُرَيْرَةَ قال: قال رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِذَا قُلْتَ لِصَاحِبِكَ يَوْمَ الجُمُعَةِ أَنْصِتْ وَالإِمَامُ يَخْطُبُ ، فَقَدْ لَغَوْتَ ]هو الكلام بالمطرح من القول وما لا معنى له)[البخاري].
قال القاري: ” قال ابن الهمام: يحرم في الخطبة الكلام وإن كان أمرًا بمعروف أو تسبيحًا ، والأكل والشرب والكتابة ، ويكره تشميت العاطس ورد السلام ، وهل يحمد إذا عطس؟ الصحيح نعم في نفسه . ولو لم يتكلم لكن أشار بعينه أو بيده حين رأى منكرًا ، الصحيح أنه لا يكره ، وهذا كله إذا كان قريبًا بحيث يسمع ، فلو كان بعيدًا بحيث لا يسمع اختلف المتأخرون فيه ، فمحمد بن سلمة اختار السكوت ، ونصير بن يحيى اختار القراءة . وقال أحمد: لا بأس بالذكر لمن لم يسمع “[مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح].
أنواع من يحضرون لخطبة الجمعة
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو ، عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (يَحْضُرُ الْجُمُعَةَ ثَلَاثَةُ نَفَرٍ: رَجُلٌ حَضَرَهَا يَلْغُو وَهُوَ حَظُّهُ مِنْهَا ، وَرَجُلٌ حَضَرَهَا يَدْعُو فَهُوَ رَجُلٌ دَعَا اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ إِنْ شَاءَ أَعْطَاهُ وَإِنْ شَاءَ مَنَعَهُ ، وَرَجُلٌ حَضَرَهَا بِإِنْصَاتٍ وَسُكُوتٍ وَلَمْ يَتَخَطَّ رَقَبَةَ مُسْلِمٍ وَلَمْ يُؤْذِ أَحَدًا فَهِيَ كَفَّارَةٌ إِلَى الْجُمُعَةِ الَّتِي تَلِيهَا ، وَزِيَادَةِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ، وَذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ -عَزَّ وَجَلَّ- يَقُولُ: (مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا)[أبو داود].
قال العيني: ” قوله: (فهو حظه منها) أي: لغوه نصيبه من الجمعة ، والمعنى: ليس له نصيب من ثواب الجمعة .
قوله: (فهي كفارة) أي: هذه الجمعة تكون كفارة لذنوبه إلى الجمعة الآتية مع زيادة ثلاثة أيام ، ليكون عشرة أيام ؛ لأن كل حسنة بعشر أمثالها بالنص “[شرح أبي داود].
الخروج من المسجد أثناء الخطبة
لا يخرج المصلي من المسجد أثناء الخطبة ويقطع الخطبة لأي أمر من أمور الدنيا
عن جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: ” بَيْنَمَا نَحْنُ نُصَلِّي مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذْ أَقْبَلَتْ عِيرٌ تَحْمِلُ طَعَامًا ، فَالْتَفَتُوا إِلَيْهَا حَتَّى مَا بَقِيَ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا اثْنَا عَشَرَ رَجُلًا، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ: (وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا) “[البخاري].
الاختباء أثناء الخطبة
الاحتباء معناه ضم الساقين إلى البطن باليدين وقد نهى عنه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أثناء الخطبة وفي غير الخطبة لأنه قد لا يكون عليه إلا ثوب واحد وربما تظهر بذلك عورته، ولأنه يجلب النوم وبذلك يفوت عليه سماع الخير من الخطيب.
عَنْ مُعَاذِ بْنِ أَنَسٍ: (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نَهَى عَنِ الحُبْوَةِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ)[أبو داود].
النعاس أثناء الخطبة
إذا شعر المصلي بالنعاس وهو أول النوم فليتحول من مكانه الذي يجلس فيه وليجلس في مكان آخر، دون أن يتخطى رقاب الناس، فهذا التحرك والانتقال يصرف عنه النوم بسبب الحركة التي تزيل هذا الفتور.
عَنْ ابْنِ عُمَرَ ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (إِذَا نَعَسَ أَحَدُكُمْ يَوْمَ الجُمُعَةِ فَلْيَتَحَوَّلْ مِنْ مَجْلِسِهِ ذَلِكَ)[الترمذي].
وتخصيص الجمعة بذلك بسبب طول الخطبة وهي مظنة ذلك، لكن هذا لا يمنع أن يفعل المصلي ذلك إذا كان في غير الجمعة ودليل ذلك:
عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (إِذَا نَعَسَ أَحَدُكُمْ وَهُوَ فِي الْمَسْجِدِ فَلْيَتَحَوَّلْ مِنْ مَجْلِسِهِ ذَلِكَ إِلَى غَيْرِهِ)[أبو داود].
للاطلاع على المزيد: